بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
ضمانة أكيدة بالحصول على (كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء وعز بلا زوال وغنى بلا فقر)[1] وهو ما يسعى إليه المؤمن بل بل العاقل عموماً لأنه هو الشيء الوحيد المنتظر بعد رحلة العناء والتعب الدنيوي.
وهذا الضمان يتوفر لمن توفر فيه المميزات الآتية:
الأولى: أن يعرف دائماً انه سيحاسب على أعماله وأقواله في يوم القيامة وأن ذلك حتمي لا مفر منه ولا يمكن التزوير في الحقائق؛ لأن المعلومات موثقة بما يدين المسيء ويثبت الحق لمستحقه، فإذا تذكر الإنسان دائماً أن الله تعالى أوجده من العدم وخلقه في هذه الدنيا وسوف يعيده بعد الموت حيا ليحاسبه ويجزيه ليكون ذلك بمقتضى العدل الإلهي كل ذلك كفيل بان فسيخفف من غلوائه وجشعه وتكالبه على الدنيا وجمعها والإساءة فيها، وعند ذلك يؤمن لنفسه مقراً في الجنة بأذن الله تعالى.
الثانية: أن تكون أعماله في الدنيا، وما يفعله، وما يقوم به إنما يساعده على تجاوز محنة الحساب، ويخفف عنه ثقل الحساب، ويهون عليه الحساب
إذن فالاهتمام بالدرجة الأولى فيما يمارسه الإنسان من أعمال وما يصدر منه إنما هو الحساب لأنه يعني الاخضاع للمسائلة الدقيقة والعسيرة – أحياناً – وهذا وحده كاف في الاهتمام بالحساب لأن المحاسب المدقق هو الله تعالى المطلع على السرائر الذي لا تخفى عليه خافية الذي هو اقرب الى عبده من حبل الوريد فهو يعلم خطرات قلبه وما ينوي القيام به قبل المباشرة. مما يشكل طوقاً محكماً على أفعال الإنسان وتصرفاته فلا يخرج بها عن الحدود المسموح بها شرعياً.
فالاهتمام بالحساب انما هو لمصلحة الإنسان ليسهل عليه وقوفه عند المساءلة الإلهية.
الثالثة: أما يكون الإنسان راضياً مما قسم له مما يسد احتياجه اليومي ويوفر له ما يستره ويحميه من الذل للغير بما يجعله متسولا أو متمننا الآخرين الذين لا يتساوون في كيفية الرد فقد يكون عنيفاً، فتكون الصدمة وعندها تتضاعف المشكلة ويتفاقم الحل ويصعب.
أما إذا تعود ان يرضى بما أعطاه الله تعالى فسيكون قانعاً، وهذا لا يعني في حال من الأحوال عدم السعي وراء مصدر الرزق بل على الإنسان أن يبذل الجهد الممكن لتحصيل ما يؤمن احتياجه ولكن بدون لهفة واندفاع بما يصرف الإنسان عن التوكل على الله تعالى والاستعانة به والرضا بمقسومه ولو فقد الانسان وسائل اتصاله بالله تعالى فإنما يحكم على نفسه بالخيبة والحيرة بقية عمره.
الرابعة: أن يكون مؤدباً في تعامله مع ربه وخالقه ومكونه من العدم إنساناً سوياً فلا ينقم أو يجزع أو يشكو من حالة تمر به مهما كانت شدة وطأتها لأن الله تعالى عادل غني عن عباده لا تنفعه طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه.
إذن فهو غير متهم بالحيف والظلم والتجاوز لأنه منزه عن كل النقائص فانه الغني المطلق والانسان هو المحتاج المطلق. فعليه ان يخضع ويخشع فيرضى ويسلم لعظمته ليكون بذلك من المرضيين لديه تعالى وهو غاية الطموح واقصى المأمول.
فالدعوة اذن للتحلي بهذه المميزات لينطبع الإنسان بطابع يؤهله للوصول إلى ما يتمناه في الآخرة. الذي يكون الإنسان فيها وحيداً لا ينفعه مال ولا ولد بل يتخلى عنه كل أحد إلا ما قدمه من اعمال صالحة والتي منها هذه المميزات الاربعة[2].
الهوامش:
[1] المفردات للراغب ص 309. وللمزيد يلاحظ ايضاً تفسير مجمع البيان للطبرسي ج6/ ص 291.
[2] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص 211-214.