مؤسسات الدولة وسياستها الإدارية في فكر الإمام علي عليه السلام: 7- الجيش

مقالات وبحوث

مؤسسات الدولة وسياستها الإدارية في فكر الإمام علي عليه السلام: 7- الجيش

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-03-2023

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

وبعد:
من خلال قراءتنا في نصوص النهج المتعلقة بالجند والحرب، نجد أن عليا عليه السلام قد أعطى المؤسسة العسكرية من الأهمية ما يضعها على رأس الطبقات التي يوصي عماله بها خيراً، يقول للأشتر «الجنود بأذن الله، حصون الرعية، وزين الولاية، وعز الدين، وسبل الامن، وليس تقوم الرعية الا بهم»[1]، فالجند ـ في فكر علي عليه السلام ـ للبناء والسلام والجهاد والمحافظة على الاستقرار والامن، مما يعني ضمنا أن لهم مؤسستهم الخاصة القائمة بذاتها التي عادة ما تكون تحت إشراف الوالي المباشر، ومن أهم الشروط التي يجب أن تتوفر لها كي تقوم بتأدية واجبها على أسس أخلاقية متينة:

ـ أن يكون الانخراط فيها تطوعيا، لأنها مؤسسة ذا طابع أخلاقي، هدفها الأسمى تثبيت القيم، وإزهاق الباطل، ويجدر بالمنتسب إليها أن يكون مؤمنا بذلك. وأن تكون المادة عنصراً ثانويا بالنسبة إليه، لأن الجهاد بمعناه العقائدي يكون بقوة الإيمان بالقيم التي تدفع الإنسان إلى الاستشهاد في سبيلها، لذلك فقد وردت جميع الخطب الداعية إلى الجهاد في النهج، خالية من أية إغراءات مادية دنيوية.
ـ أن يكون الترابط بين الجند وقادتهم محكماً، لذلك فقد عول علي عليه السلام على قاعدة في اختيار قادة الجيوش قوامها الكفاءة القتالية المقرونة بالأخلاق العالية، يقول للأشتر «فولِّ من جندك أنصحهم في نفسك لله، ولرسوله، ولإمامك، وأنقاهم جيباً، وأفضلهم حلماً، ممن يبطئ عند الغضب، ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء، وينبو على الاقوياء»[2]ذلك من الناحية الأخلاقية.
ـ أما اختيار القادة من حيث الخيرة فيبلورها فكر علي عليه السلام في ذوي النسب والشرف السامق والمجد من الشجعان الكرام[3]الذين لا يبطرهم المركز لكونه لا يرفع من منزلتهم ولا يزيدهم شرفاً، وكما نلاحظ أن الخبرة والاخلاق عنصران متلازمان ومتداخلان عنده، بحيث يستعصي الفصل بينهما.
ـ ان تكون العلاقة بين قادة الجند وجندهم علاقة انسانية، تحكمها الرأفة والعطف والحب، بعيدة عن روح التسلط، فأفضل قادة الجند عند علي عليه السلام «من (واسى جنده) في معونته وافضل عليهم من جدته»[4].
ـ إن انخراط الجندي الطوعي في الجيش لا يعني حرمانه من المادة، فقد يتبادر إلى الذهن ان علياّ عليه السلام لم يكن يضع للمادة أي اعتبار أو أي أثر في اصلاح الجند، ولكن الذي نقرأ في النهج يخالف ذلك، فعلي عليه السلام لم يقصر الدخول في الجندية على العمل المجاني، بل جعل التطوع في المقام الأول لكونه واجباً دينيا، يحتم على كل مسلم قادر مباشرته إذا دعت الحاجة إلا أنه في الوقت نفسه قد وضع للمادة اعتبارها، وتأثيرها في الروح القتالية بالنسبة للجند فهو يرى ان إعطائهم «ما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهلهم»[5] يجعلهم يدركون أن من ورائهم حكومة تتفقد أمورهم الدنيوية بما يكفل لهم ولأولادهم ونسائهم وعجزتهم الحياة الكريمة، فيكون في ذلك اخلاصهم فيما كلفوا به من قتال في وقت الحرب، وتفانيهم في بث الطمأنينة واشاعة الامن بين الناس وقت السلم حيث «لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدورهم»[6].
ـ ثم انه لما كان للحوافز المادية أثرها الفعال في اخلاص الجند، فقد جعل لها علي عليه السلام مكانة، في فكره العسكري، بوصيته ولاته وامراء جنده ان يعرفوا «لكل امرئ ما ابلى»[7]، مع تجنب المحاباة على أساس المكانة والنسب حال تقسيم مثل تلك الحوافز إذ يجب ان يأخذ كل جندي حقه كاملاً، يقول ضمن عهده للأشتر «ولا يدعونك شرف امرئ أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً، ولا ضعة امرئ ان تصغر من بلائه ما كان عظيماً»[8]، هذه بالنسبة لتكوين الجيش في فكر الإمام علي عليه السلام)[9].

الهوامش:
[1] السابق، فقرة 15.
[2] رسائل 53، فقرة15. وأنقاهم جيبا: أطهرهم صدراً، وينبوا عليهم: يشتد عليهم.
[3] راجع السابق فقرة 17.
[4] السابق، الفقرات 16، 17، 18، وواساهم: ساعدهم وجدته ـ بكسر الجيم وفتح الدال: كرمه.
[5] رسائل 53، الفقرات 16، 17، 18، خلوف ـ بضم الخاء واللام ـ: جمع خلف، بفتح الخاء وسكون اللام، وهو ما يتركه الجند وراءهم من نساء واطفال وعجزة.
[6] المصدر السابق نفسه.
[7] المصدر السابق نفسه.
[8] المصدر السابق نفسه.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 319-321.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2581 Seconds