بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
المخابرات العسكرية من أهم الدعائم التي اعتمدتها الدول لحفظ امنها منذ أقدم العصور[1]، إذ عن طريقها تعرف تحركات العدو، وما يمتلكه من سلاح وعتاد، ومواضع الضعف والقوة في دفاعاته، ورسم الخطط والخطط المضادة لهجوماته المباغتة. لذلك فقد اهتم بها علي عليه السلام اهتماماً عظيماً وجعلها ضمن مخططات مؤسسته العسكرية، فاستخدم العيون والطلائع فقد كانت له عيون بالشام ترصد له تحركات معاوية[2]، كما كانت له بعض العيون في جيش معاوية بصفين[3]، هذا بالإضافة إلى الطلائع التي كان يرسلها في مقدمة جيوشه كما فعل في صفين، يقول ضمن وصيته لجيش من جيوشه «اعلموا ان مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم»[4]، وذلك يعني ان علياً عليه السلام قد كان على علم واسع بالشؤون العسكرية.
والجوسسة كعمل مشروع يراد منه الحفاظ على مصالح الأمة وحماية الإسلام، لم يقصرها علي عليه السلام على الناحية العسكرية من دون غيرها من النواحي الامنية الأخرى، ففي كتاب له لقثم بن العباس[5]واليه على مكة، يقول «أما بعد فإن عيني بالمغرب كتب إليّ يعلمني أنه وجه إلى الموسم أناس من أهل الشام»[6]. لكن علياً عليه السلام لم يحاول استخدام الجوسسة لقمع على الإطلاق، لأنه كان يستنكف الإساءة لأي إنسان في سبيل توطيد سلطته، فهو كقائد يتحلى بروح الفروسية في أنبل معانيها يجد أن «ألأَم الناس من سعى بإنسان ضعيف إلى سلطان جائر»[7] )[8].
الهوامش:
[1] للاطلاع على قدم أنشطة الاستخبارات العسكرية ـ راجع عبد الله مناصرة الاستخبارات العسكرية في الإسلام، ص15 وما بعدها.
[2] راجع ابن مزاحم: صفين ص 65 وما بعدها ورسائل 33.
[3] راجع ابن مزاحم: السابق ص 468.
[4] رسائل 11، والنص يحوي نصائح عسكرية جليلة رغم صغر حجمه.
[5] قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم الرسول، استعمله علي واليا على مكة فلم يزل واليا عليها حتى قتل علي، سار أيام معاوية إلى سمرقند فمات بها شهيداً ـ أسد الغابة 4/392.
[6] رسائل 33.
[7] ابن أبي الحديد 20/303.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 324-325.