سياسة الإمام علي عليه السلام العسكرية: الصفات التي ينبغي للجندي ان يتحلى بها

مقالات وبحوث

سياسة الإمام علي عليه السلام العسكرية: الصفات التي ينبغي للجندي ان يتحلى بها

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 16-04-2023

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
مما أثر عن علي عليه السلام من توجيهات ونصائح كان يزود جنده بها أثناء توجههم إلى أية معركة يمكننا التعرف على صفات الجندي المثالي عنده.

فعلي عليه السلام كما عرفنا لم يبدأ بحرب قط[1]و«لم يقاتل يوما من أهل القبلة ممن خالفه حتى يدعوهم»[2] إلى الاحتكام للعقل، لذلك فقد أراد لجنده أن يقتدوا به ويأخذوا بنهجه في ضبط نفوسهم وتحكيم عقولهم، ولا يبادروا بمقاتلة أعدائهم إلا إذا بدأوا هم بذلك، وينطلق من نظرية تلك على اعتبار أن في بدء القتال عدوانا، واستصغاراً للقيم، وانهزاما داخليا للنفس المعتدية يؤدي بها إلى الانهيار، جاء في نصحه لابنه الحسن عليه السلام قوله «لا تدعون إلى مبارزة، وان دعيت فأجب، فإن الداعي باغ، والباغي مصروع»[3] لاعتداده بشجاعته وقوته دون ارتكازه على قاعدة خلقية يؤدي به إلى الغرور فتكون هزيمته حتمية.
أما إذا اضطر الجند للدخول في مواجهة حتمية مع العدو، فمن واجب كل جندي ان يعرف موقعه، ويلتزم بتوجيهات قيادته، ليدفع عن نفسه الهلاك، ويحقق النصر. فقبل نشوب أية معركة يجب على جميع المقاتلين أن يلتزموا بقاعدة عسكرية فحواها تقدم أصحاب الدروع من الجند، وتأخر الحاسرين ممن ليس لديهم ما يدرأ عنهم ضرب السيوف وطعن الرماح[4].

هذا من ناحية التحرك العسكري في مواجهة العدو في أثناء بدء المعركة، أما من ناحية درء الجندي خطر الموت باتقاء الضربات القاتلة أثناء احتدام القتال، فيرى علي عليه السلام أنه من الأجدى بالجند في أثناء التحامهم بالأعداء، أن يعضوا على أضراسهم بشدة[5] كي تمنح تلك العملية جماجمهم صلابة وقوة قد تحول دون سيوف الاعداء والقطع، ثم ان العض على الاضراس يزيد من شدة المقاتل في ضرب القطع، لما لتك العملية من تأثير نفسي وجسمي في حشد القوة لمواجهة الصعوبات والتغلب عليها بإصرار. ويجب على الجند ان يتحاشوا رماح الأعداء أثناء اشتجارها بيقظة وانتباه واستخدام لياقتهم البدنية للإنعطاف عن اسنتها في خفة وحذق يجنبهم إصابتها[6].
ومن عوامل النصر ـ من وجهة نظر علي (عليه السلام) ـ العامل النفسي المتمثل في طرد الخوف والاقبال على القتال بقلوب قوية عزيمة صادقة، لذلك فمن الاجدى للجنود في أثناء احتدام القتال، غض أبصارهم عما تهرق من دماء، وتزهق من ارواح لأن ذلك كما يقول «أربط للجأش وأسكن للقلوب»[7]، إضافة إلى التزام السكينة والهدوء طرداً للفشل[8].
ولما كان تعاون الجند فيما بينهم من أهم عوامل النصر فلقد ركزّ عليه علي (عليه السلام) واضعاً نصب عينيه احتمال ان يصاب الجندي بأنهيار نفسي في أثناء مشاهدته الموت من حوله، وفي مثل هذه المواقف يجب على أخيه الجندي أن يقف بجانبه ويشد أزره ليمنحه الإحساس بالاطمئنان، فيكون ذلك دافعاً له على مواصلة القتال، وفي ذلك يقول علي عليه السلام «وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد إخوانه فشلاً فليذب عن اخيه بفضل نجدته التي فُضّل بها عليه كما يذب عن نفسه»[9].
ومن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى الجند بها ـ من وجهة نظر علي (عليه السلام) ـ التزام أخلاق الفرسان بتجنبهم كل ما يحط من القيمة الأخلاقية، في أثناء المعركة وبعد أن تحسم لصالحهم، ويمثل ذلك قوله «اذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح، واذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبراً، ولا تكشفوا سراً، ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا من اموالهم شيئاً ولا تهيجوا امرأة بأذى، وإن شتمنَ أعراضكم وسببنَ أمراءكم وصلحاءكم»[10].
ففكر علي (عليه السلام) العسكري فكر تكاملي من حيث ممازجته بين السياسة العسكرية بشقيها الإداري والتربوي وبين الأخلاق المتمثلة في الإيمان بالقيم والتعاون والبناء، والأخذ بالأساليب الإنسانية في مواجهة الأعداء، لأن خبرته العسكرية وشجاعته «هما بمنزلة التعبير عن الفكرة، أو بمثابة العمل من الادارة، لأن (محورها) الدفاع عن طبع في الحق وايمان بالخير»[11])[12].

الهوامش:
[1] راجع ص 252 وما بعدها من هذا البحث.
[2] أبو يوسف: كتاب الخراج ص 214.
[3] حكم 232.
[4] راجع خطب 124. وقد ورد ضمنها نصائح عسكرية أخرى تتعلق بالرايات وكيفية حملها ومن هو المؤهل لتلك المهمة الخطيرة الصعبة.
[5] المصدر السابق نفسه.
[6] المصدر السابق نفسه.
[7] خطب ـ السابق.
[8] المصدر السابق نفسه.
[9] خطب 122.
[10] رسائل 14.
[11] جورج جرداق: علي (عليه السلام) صوت العدالة الإنسانية 1/80.
[12] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 325-328.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2837 Seconds