من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب قوله (عليه السلام): ((مُرْهُ العيونِ من البُكاءِ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب قوله (عليه السلام): ((مُرْهُ العيونِ من البُكاءِ))

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-08-2023

بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.

وبعد:
    قالَ ابن منظور في بيانِ معنى لفظة(مُرْه): «والمَرَهُ: مرضٌ في العَيْنِ لِتَرْكِ الكُحْلِ، ومِنْهُ حَدِيث عَلِيٍّ [عليه السلام]: خُمْصُ البُطونِ مِنَ الصِّيام مُرْهُ العيونِ مِنَ البكاءِ، هُو جَمْعُ الأَمْرَهِ. وسَرابٌ أَمْرَهُ، أَي: أَبيض لَيْسَ فيهِ شَيْءٌ مِنَ السَّوادِ»([1]).
    في النَّصِّ كلمةٌ على زنةِ(فُعْل)، هِيَ(مُرْه)، مُشتقَّةٌ من(مَرِه، يمرَه، مَرَهًا)، والمرهةُ: البيَاض، فنقول:«رجلٌ أمرَه، وامرأة مَرهَاء»، أيْ: خلت أعينُهما من الكُحلِ([2])، وهي جمعُ تكسير دالٌّ على جمع الكثرةِ.
    ويبدو أنَّ هذه الصِّفةَ في العيونِ خاصَّةً، وربَّما تُطلقُ علَى غيرِها مجازًا، جَاءَ في أساسِ البَلاغةِ «ومن المَجَازِ: سحَابٌ أمرهُ: أبْيضُ. ونَعجَةٌ مَرهَاء: بَيضَاء يَقَقٌ لا شِيَةَ بِها، ورَجُلٌ مَرِهُ الفؤادِ: ذاهِبُهُ من شِدَّةِ المَرَضِ»([3])، وجاءَ في شرحِ الحديثِ:«ومرِهتْ عَينُ فُلانٍ، بكسرِ الرَّاءِ، إذا فسُدتْ لتركِ الكُحلِ»([4])، وقدْ يكونُ عيبًا تُصابُ به  العينُ، قالَ الأزهريّ: «المَرَهُ والمُرْهةُ بياضٌ تَكْرَهُه عينُ النَّاظِرِ»([5])، ولكنَّ الإمامَ(عليه السَّلام) جعلَ مَرَهَ عيونِ هؤلاءِ النَّاسِ المتَّقينَ سبَبَه البُكاء، خَوفًا مِن خَالقِهم سُبحَانَهُ وتعالى، وهو أَجلُّ مقامٍ من مقاماتِ العبوديَّةِ يصل إليهِ الإنسانُ.
    جاءَ تعبيرُ الإمامِ (عليه السَّلام) بجمع التَّكسيرِ الدَّالِّ على الكثرةِ؛ ليدلَّ على ما أصابَ عيونهم من المَرهِ لكثرةِ بكائهم خوفًا من خالقهم، وهذا المعنى يكادُ يكونُ جديدًا عند الإمامِ(عليه السَّلام)، إذ جعل هؤلاء العباد قد فسدت عيونهم من كثرةِ البكاء، وهم يرجونَ رحمةَ ربِّهم، ويطلبون منه شفاءها، كما يطلب المصابُ بالمره الكُحلَ لشفاءِ ما أصابه، فهم قد استبدلوا الكُحل الَّذي يشفي المره بذكر الله وخوفهم منه، فأنزل الإمام رحمةَ الله (جلَّ جلاله) منزلةَ الكُحلِ للعينِ.
    الحديث ورد في نهج البلاغة بالشَّكلِ الآتي: «مُرْه العيونِ من البُكاءِ، خُمْص البطُونِ من الصِّيام»([6])، فيه تقديم جملة(مُرْه) على جملة(خُمْص).
  ومعناه كما ذكره الرَّاوانديّ «مُرْه العيونِ، أي: قَرْحى العيونِ، من مَرِهَتْ عينُهُ تَمْرَه ُمَرَهًا: إذا فَسَدَت لِتَركِ الكُحْلِ، وهي عَينٌ مَرْهاءُ»([7]))([8]).

الهوامش:
[1]   لسان العرب(مره): 13/540.
[2]   ينظر: المحكم والمحيط الأعظم(م ر هـ): 4/318.
[3]   أساس البلاغة(م ر هـ): 2/208.
[4]   شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 7/291.
[5]   التهذيب(مره): 6/160.
[6]   شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7/291.
[7]   منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 2/32.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 88-90.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2332 Seconds