بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل
الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: « وَتَقِيَّةٍ تُنْجِيْكُمْ، يَوْمَ يُذْهِلُكُمْ».
يُذْهِلُكُمْ
تدلُّ مادَّة (ذهل) في اللُّغة على التَّرك، والسَّلو، والنِّسيان. يقال ذَهَلَ يَذْهَلُ، وذَهِلَ يَذْهَلُ ذهولاً. وذهل عن الأَمر ذهولاً، وقد أَذهله الأَمر، وأَذهله عنه: إذا نسيه، وسلا عنه، وتركه. والذَّهْلُ: تركك الشَّيء: تناساه عن عمد، أَو يشغلك عنه شاغل. وقيل: الذَّهْلُ: السَّلو وطيب النَّفس عن الإلف. والذُّهول: شُغْلٌ يورث حُزناً ونسياناً. قال الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ»[1]، أَيْ تسلو عن ولدها، فتتركه لشدَّة القيامة والفزع الأَكبر [2].
وقد شرع أَمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الفعل (يُذْهِلُكُمْ) في الخطبة، وبعده أَفعال خمسة في وصف يوم القيامة، وما يجري فيه على الإنسان، فقال (عليه السلام): «فَعَلَيْكُم بِرَهْبَةٍ تُسَكِّنُ قُلَوْبَكُمْ، وَخَشْيَةٍ تُذْرِئُ دُمُوْعَكُمْ، وَتَقِيَّةٍ تُنْجِيْكُمْ، يَوْمَ يُذْهِلُكُمْ»، أَيْ: أَنَّ هذا اليوم يجعل أَنفسكم تسلو عن كلِّ شيء وتتركه، ولا طيب لها في كلِّ إِلْف؛ إذ إنــَّها تكون منصرفة بكلِّها لذلك اليوم؛ لشدَّته وفزعه.
وقد ضَمَّن أَمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «يوم يذهلكم» قوله ــ تبارك وتعالى ــ «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ»[3].
و(يذهلكم) فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمَّة الظَّاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى (يوم)، و(كم) ضمير متَّصل مبنيٌّ في محلِّ نصب مفعول به. والجملة (يذهلكم) في محل جر بالإضافة إلى الظَّرف (يوم).)[4].
الهوامش:
[1]. الحج/2.
[2]. ينظر: العين: 1،268، وتهذيب اللغة: 2/322، والصحاح في اللغة: 398، ومفردات ألفاظ القرآن: 322، والمحيط في اللغة: 1/304، والمحكم والمحيط الأعظم: 2/189، وأساس البلاغة: 1/150، ولسان العرب: 11/259، وتاج العروس: 1/7078.
[3]. الحج/2.
[4] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 154-155.