من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله (عليه السلام): «وَلْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مُنْكُمْ صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ وَشَبِيْبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ وَسَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ».

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله (عليه السلام): «وَلْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مُنْكُمْ صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ وَشَبِيْبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ وَسَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ».

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-11-2023

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: «وَلْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مُنْكُمْ، صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ، وَشَبِيْبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ، وَسَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ ».

ليغتنم
تدلُّ مادَّة (غنم) في اللُّغة على الغاية، أَو الفوز بالشَّيء في غير مشقَّة[1]، أَو إفادة شيء لم يملك من قبل[2]، وقال الجوهريّ: «والمَغْنَم والغنيمة بمعنى، يُقال: غَنِمَ القومُ غُنْماً بالغمِّ، وغُناماك أَنْ تفعل كذا، أَيْ: غايتك والَّذي تتغنَّمه. وغَنَّمْتُه تغنيماً، إذا نفَّلته. واغْتَنَمَهُ وتَغَنَّمَهُ: عدَّه غنيمةً» [3].
وقال الرَّاغب: «الغَنَمٌ: معروف. قال تعالى: «وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا»[الأنعام/ 146]. والغُنْمُ: إصابتُه والظَّفرُ به، ثــُمَّ استُعْمِلَ في كلِّ مظفور به من جهة العِدَى وغيرهم. قال تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ » [الأنفال/ 41]... والمَغْنَمُ: ما يُغْنَمُ، وجمعه مغانم...»[4].
وتطابقت دلالة الفعل (ليغتنم) في الخطبة مع دلالته اللُّغوية؛ إذ جاء هذا الفعل (ليغتنم) مرَّةً واحدة في الخطبة، أَورده أَمير المؤمنين (عليه السلام)  في مقام وَعْظِ الإنسان، وإرشاده، وتوجيهه، فبعد أَنْ أَتمَّ أَمير المؤمنين (عليه السلام)  وَصْفَ يومِ القيامة، وما يجري فيه على الإنسان، انتقل (عليه السلام)  إلى وَعْظِ الإنسان، وتوجيهه في فعلين، أَحدهما: (ولتكن) ــ وتقدَّم الكلام عليه ــ، والآخر: (ليغتنم)؛ إذ قال (عليه السلام): «وَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكُمْ مَسْأَلَةَ ذُلٍّ وَخُضُوْعٍ، وَشُكْرٍ وَخُشُوْعٍ، وَتَوْبَةٍ وَنُزُوْعٍ، وَنَدَمٍ وَرُجُوْعٍ، وَلْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مُنْكُمْ، صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ، وَشَبِيْبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ، وَسَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ، وخَلْوَتَهُ قَبْلَ شُغْلِهِ، وَحَضَرَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ».
فمراد أَمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: (وليغتنم... قبل سفره)، أَيْ: اجعل غايتك الفوز برضا الله ــ تبارك وتعالى ــ، والفوز بقربه ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ بالصِّحة قبل السُّقم، والشَّبيبة قبل الهرم، وبالسَّعة قبل الفقر، وبالخلوة قبل الشُّغل، وبالحضر قبل السَّفر. ولاشكَّ في أَنَّ الفوز بالقرب من الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ وبرضوانه في السُّقم أَكثر مشقَّة منه في الصِّحة، وفي الهرم أَكثر منه في الشَّبيبة، وهكذا دواليك.
و (ليغتنم) اللَّام لام الأَمر، و(يغتنم) فعل مضارع مجزوم بلام الأَمر، وعلامة جزمه السُّكون، و(كلُّ) فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمَّة الظَّاهرة على آخره، وهو مضاف، و(مغتنم) مضاف إليه مجرور، وعلامة جرِّه الكسرة الظَّاهرة على آخره، و(منكم) من: حرف جرٍّ، و(كم) ضمير متَّصل مبنيٌّ في محلِّ جرٍّ بحرف الجرِّ. وجملة (وليغتنم...) معطوفة على جملة (ولتكن مسألتكم...).)[5].

الهوامش:
[1]. ينظر: العين: 1/358، والمحيط في اللغة: 1/414.
[2]. ينظر: معجم مقاييس اللغة: 4/397، وعمدة الحفاظ: 3/176.
[3]. الصحاح في اللغة: 2/27. وينظر: تهذيب اللغة: 3/87، والمحكم والمحيط الأعظم: 2، 437، ولسان العرب: 12/445، ولقاموس المحيط: 3/226، وتاج العروس: 1/7841.
[4]. مفردات ألفاظ القرآن: 615.
[5] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 161-163.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2381 Seconds