بقلم: د. قاسم خلف السكيني.
الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
قال عليه السلام: سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ عَنْدَ اللهِ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ ([1])
السوء: نعت لكل رديء. وساء الشيء: قبح، فهو سيء([2]). والسيئة هنا، بمعنى الذنب ضد الحسنة، وقد بين ابن أبي الحديد ذلك بقوله: (أراد بالسيئة الذنب الصادر عن الإنسان يصدر عنه فيندم عليه)، وربما تحمل دلالة الحكمة نوعا من تفضيل السيئة، ولكن هذا التفضيل مشروط، لأن الحسنة التي تبعث العجب في صاحبها تكون أسوأ من السيئة التي تبعث على الندم والضعة والحزن، ولهذا السبب قال البحراني في شرحه: (إنما كانت السيئة خيرا من الحسنة لأنها تبعث على التذكر، والندم فهو ماح لها).
والمعنى المستفاد من الحكمة لخصه ابن أبي الحديد بقوله: (إن الإنسان إذا وقع منه القبيح ثم ساءه ذلك، وندم عليه وتاب حقيقة التوبة، كفرت توبته معصيته، فسقط ما كان يستحقه من العقاب، وحصل له ثواب التوبة. وأما من فعل واجبا واستحق به ثوابا، ثم خامره الإعجاب بنفسه والإدلال على الله تعالى بعلمه، والتيه على الناس بعبادته واجتهاده، فإنه يكون قد أحبط ثواب عبادته بما شفعها من القبيح الذي أتاه، وهو العجب والتيه والإدلال على الله تعالى، فيعود لا مثابا ولا معاقبا، لأنه يتكافأ الاستحقاقان. ولا ريب أن من حصل له ثواب التوبة وسقط عنه عقاب المعصية، خير ممن خرج من الأمرين كفافا لا عليه ولا له)([3]).
الهوامش:
([1]) وردت دون خلاف في: العيون ص286، وشرح الغرر 4/ 141، والمنهاج 3/278، والترجمة 2/285، وشرح ابن أبي الحديد 81 / 174، وشرح البحراني 5/317، والمصباح ص 621.
([2]) العين: (سوء) 7/328.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص62-63.