الألفاظُ التي تدلُّ على الأعمال الزراعية وما يتعلق بها في نهجِ البلاغةِ: 2- الحـَـصْـدُ

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

الألفاظُ التي تدلُّ على الأعمال الزراعية وما يتعلق بها في نهجِ البلاغةِ: 2- الحـَـصْـدُ

22 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-02-2025

بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي

الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..

اما بعد:
تكرر هذا اللفظ في عشرة مواضع من النَّهْج، وهو على نوعين:
11) الحصاد الحقيقي (المادي): قال في (فتنة بني امية): «تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الاْدِيمِ، وَتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصَيدِ»([1])،  فـ(الأدِيم، الحَصِيد) على زنة فَعِيل، و(تَعرُك، تَدوُس) على زنة (تَفْعُل) وهما يدُّلان على القسوة والإهانة والتحقير؛ فاستعار لفظ الدَّوس؛ لاهانتهم له، وشبهه بدوس الحصَّيد، وأشار الى استقصاء أهل تلك الضلالة عن المؤمنين.  فتدقهم دق الزرع المحصود المقطوع، وهو منتهى ذلتهم([2]).

2) الحصاد المجازي: تكرر في كلام الإمام (عليه السلام) في مواضعٍ.  منها ورود الفعل الماضي متصلا بجماعة الغائبين في قوله: «زَرَعُوا الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ»([3])،  ويعني بـ(الغرور: الغفلة، وبالثبور: الهلاك) والقياس نسبة الشَّيء الى الشَّيء وإلحاقه به في الحكم([4]).
وجاء المضارع منه على زنة (يـُفْعَلُ) المبني للمجهول في قوله (عليه السلام): «وَعَنْ قَلِيل تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ، وَيُحْصَدُ الْقَائِمُ، وَيُحْطَمُ الْـمَحْصُودُ» ([5]).
 فيُحْصَدُ القائِمُ: ما بقي من الصلاح قائماً يُحْصَد، ويُحْطَمُ المَحْصُودُ: ما كان قد حُصِد يحطم ويهشم.  والتفاف القرون كنى به الإمام (عليه السلام) عن اشتباك قواد الفتنة وأهل الحق كاشتباك الكباش بالقرون عند النطاح كنى بالتفاف بعضهم ببعض عن اجتماعهم في بطن الأرض،  واستعار لهم لفظ الحَصْد والحطم لمشابهتهم الزرع يحصد قائمه   ويحطم محصوده فكنى بحصدهم عن موتهم ومحصودهم عن فنائهم وتفرق أوصالهم في التراب ([6])،  والكناية هنا عن قتل الأمراء من بني أمية في الحرب المأسورين منهم صبرا، فحصد القائم قتل المحاربة،  وحطم الحصيد:  القتل صبرًا،  وقال «سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأرض مِنْ هذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ» ([7]).

فيطهرُ المؤمنين من المخالفين فقد استعار الإمام لفظة (حصيد) لصغار اللؤلؤ لشبهه بما يحصد من الحنطة وغيرها وهي من الاستعارات القرآنية، واستعارة لفظ الضحك للأصداف، ووجه الشبه بينهما انفتاح الصَّدفتين وإسفارهما عن اللؤلؤ الشبيه بدوره بأسنان الإنسان حال الضحك، فهو مخلص المؤمنين من وجود معاوية بينهم ليزكو إيمانهم ويستقيم دينهم، فوجوده فيهم سببا لفساد عقائدهم. والامام في معرض المدح له تعالى تنبيها على كمال قدرته([8]).
ويطلق الحَصْدُ على جَزٌ البُرِّ ونحوه.  وقتل الناس ايضا حَصْدٌ.  والحصيدة: المزرعة اذا حُصِدت كلها، والجميع الحصائد([9]).

  فـ» الحاء والصاد والدال اصلان: أحدهما قطع الشيء، والآخر إحكامه. وهما متفاوتان.  فالأول حصدت الزًرع وغيره حَصْدا.  وهذا زمن الحَصاد والحِصاد، والحصائد جمع حصيدة، وهو كل شيء قيل في الناس باللسان وقُطِع به عليهم»([10]).
وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ}([11])

أي: ألقوا حَبُ البُرِّ المحصود.  وأحصدَ البُرٌ: اذا أنى حصاده أي: حان وقت جزازه، والحِصاد: اسم البُرِّ المحصود وبعدما يُحصَد([12])،  وحصد واحتصد بمعنى واحد، والزًرْع محصود وحصيد وحصيدة وحَصَد،  وحصاد كل شجرة:  ثمرتها،  والحصيد:  المحصود فعيل بمعنى مفعول،  والحَصِيد:  أسافل الزًرع التي تبقى لا يتمكن منها المنجل. وأحصد الزرع بالألف، و(استحصد) اذا حان حصاده فهو (مُحْصِدٌ) و(مُسْتَحْصِدٌ) بالكسر اسم فاعل و(الحَصِيدة) موضع الحصاد([13]).)([14]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة: خ 108، 110.
([2]) ظ: منهاج البراعة: 7 / 244.
([3]) نهج البلاغة: خ 2، 13.
([4]) ظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 3 / 327
([5]) نهج البلاغة: خ 101، 103.
([6]) ظ:  منهاج البراعة:  7 / 140  اختلف شراح النَّهْج فيه وفيه اشارة الى عموم البلاء (حصد القائم)  كناية عن قتل القوى (وحطم المحصود)  كناية عن استئصال الضعيف،  ذهب البحراني الى القول بأنّه:  كنى بالتفاف بعضهم عن اجتماعهم في بطن الأرض وكنى بحصدهم عن قتلهم او موتهم،  وبحطم محصودهم فنائهم وتفرق أوصالهم في التراب،  ذهب ابن ابي الحديد الى أنه:  كناية عن الدولة العباسية التي ظهرت على بني امية،  وهو كناية عن قتل الأمراء منهم في الحرب،  فحصد القائم قتل المحاربة،  وحطم الحصيد قتلهم صبراً، والتفافهم كناية عن جمعهم في موقف الحساب أو طلب بعصهم المظالم من بعض،  وحصدهم:  إزالتهم عن قيامهم وسوقهم الى النار.
([7]) نهج البلاغة: ك 45، 314.
([8]) ظ: شرح نهج البلاغة: البحراني: 5 / 107.
([9]) ظ: العين (مادة حصد): 3 / 112.
([10]) مقاييس اللغة: 2 / 71.
([11]) ق / 9.
([12]) ظ: لسان العرب  (مادة حصد):  2 / 894.
([13]) ظ:  المصباح المنير:  138.
([14]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 256-259.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2946 Seconds