من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال: ((اللهُمَّ داحي المدحوات وبارئ المسموكات وجبار الْقُلُوب على فطرتها شقيها وسعيدها))

مقالات وبحوث

من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال: ((اللهُمَّ داحي المدحوات وبارئ المسموكات وجبار الْقُلُوب على فطرتها شقيها وسعيدها))

58 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 03-03-2025

بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر

الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
ورد في كتب غريب الحديث عن سلامة الكندي قال: كَانَ الإمام عَليّ(عليه السلام) يعلمنَا الصَّلَاة على النبيّ (صلى الله عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلّم) يقول: (( اللهُمَّ داحي المدحوات وبارئ المسموكات وجبار الْقُلُوب على فطرتها شقيها وسعيدها اجْعَل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك..... ))([1]). وكذلك ورد في نهج البلاغة([2]).وذكر ابن الأثير حَدِيث الإمام عَليٍّ(عليه السلام) صَلاته عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ): ((اللَّهُمَّ يَا دَاحِيَ المَدْحُوَّات)([3]).التركيب الغريب الذي ورد في كلامه (داحي المدحوات).فـ(داحي) من اصل(دحو).قال ابن منظور: ((الدَّحْو: البَسْط. دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها)) ([4]).   
وكذا قال أصحاب غريب الحديث: الدَّحْوُ: البَسْطُ، والْمَدْحُوَّاتُ: الأرَضُونَ، وقَوْله(عليه السلام): (داحي المدحوات) يَعْنِي: باسط الْأَرْضين، ومُوَسِّعَها، بَيْدَ أنَّ فِي بِدايَةِ الأمْرِ خلقهَا ربوة ثمَّ بسطها. ([5])يتبين ذلك فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}([6])، أي: بَسَطَها،([7]) ((ووسعها، وكل شيء بسطته ووسعته فقد دحوته))([8]). ومما تجدر الإشارة اليه في بداية الأمر خلق الأرض ربوة ثمَّ بسطها، وإن الدَّحو غَيْرُ الْخَلْقِ، وإِنما هُوَ الْبَسْطُ، وَالْخَلْقُ هُوَ الإِنشاءُ الأَول، فَالله -عَزَّ وَجَلَّ-، خَلَقَ الأَرض أَولًا غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ دَحَا الأَرض أَي بَسَطَهَا...([9])
وأضاف شُرّاح نهج البلاغة بقولهم: فإن المراد بانبساطها هاهنا ليس هو السطح الحقيقي الذي لا يوجد في الكرة، بل كون كل قطعة منها صالحة لأن تكون مستقراً، ومجالاً للبشر، وسائر الحيوان تتصرف عليها هذه المخلوقات في الأعمال التي وُجهت إليها...([10])
وقوله (عليه السلام) (داحي المدحوات)، لبيان قدرة الخالق منادياً بلفظة(داحي) منصوبا؛ لأنه منادى مضاف، فقد جوز النحويون حذف حرف النداء في الاستعمال الكثير مع بقاء أثره([11])، تقديره: (ياداحي المدحوات)، أي: يا باسط الارضين المبسوطات([12]).إضافة الى ذلك استعماله(عليه السلام) لفظة(داحي) التي تدل على التجدد والحدوث؛ لأنه اسم فاعل وهذه من ميزات اسم الفاعل، إذ لم يقل(دحا)؛ لأنه في زمنٍ مضى، ولم يستعمل أي صيغة تدل على زمن محدد، وكذلك إضافة المدحوات اليه بصيغة الجمع)([13]).

الهوامش:
([1]) غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/143،غريب الحديث: الحربي: 2/569،الفائق في غريب الحديث: 1/360، وينظر: الغريبين في القرآن والحديث: 2/623، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/206، وغريب الحديث في بحار الأنوار،2/16.    
([2]) ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 6/138، ونهج البلاغة بشرح محمد عبده: 1/120.
([3]) قال الهروي، وابن الأثير: ورُوي (الْمَدْحِيَّات). الغريبين في القرآن والحديث: 2/623، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/206، وذكر الزمخشري (باري المَسْمُوكَات). الفائق في غريب الحديث: 1/ 415، وينظر: غريب الحديث في بحار الأنوار: 2/16.  
([4]) لسان العرب: (دحا)14/251، وينظر: النهاية في غريب الحديث، 2/206، تاج العروس: (دحو)،38/37.
([5]) ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/143، والغريبين في القرآن والحديث: 2/623، والفائق في غريب الحديث: 1/ 416، وغريب الحديث: ابن الجوزي: 1/327، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/206، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 2/16، ولسان العرب: (بعد) 3/93، وتاج العروس، (دحو): 38/37.
([6]) سورة النازعات: 30.
([7]) ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/143، والفائق في غريب الحديث: 1/ 416، وغريب الحديث: ابن الجوزي: 1/327، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/206، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 2/16.         
([8]) غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/143.
([9]) ينظر: فتح القدير: 2/954-955، ولسان العرب: (بعد)3/93، ومجمع البحرين،1/135.
([10]) ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 6/ 139، نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 1/120.
([11]) ينظر: التطبيق النحوي: عبده الراجحي: 277.
([12])   ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/144، ونهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 6/139.
([13])  مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص185-187.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2642 Seconds