من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((سُجِّيَ)) في قوله عليه السلام: «وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((سُجِّيَ)) في قوله عليه السلام: «وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ»

44 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-03-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

سُجَّي

تدلُّ مادَّة (سُجَّي) في اللُّغة على الرُّكود، والسُّكون، وتغطية الشَّيء. جاء في (العين): «السُّجُو: السُّكون. وعين ساجية، أَيْ: فاترة النَّظرة... وليلة ساجية:

ساكنة الرِّيح... ويُقال: سجا البحر، أَيْ: سكنت أَمواجه، وتسجيةُ الميِّت: تغطيته بثوب... (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)[1]، أَيْ: أَظلم وركد، كما يُقال: بحر ساجٍ، وليل ساجٍ، إذا ركد وظلم، ومعنى ركد: سكن... وتسجية الميِّت: تغطيته بثوب» [2].
وقال ابن فارس: «السِّين والجيم والواو يدلُّ على سكونٍ، وإطباق» [3].
وسَجا البحرُ يَسْجُو سَجْواً: إذا سكنت أَمواجه، وسجا اللَّيل: سكن. والسَّجْواء: النَّاقة الَّتي تسكن حتَّى تحلب، وليلة ساجية إذا كانت ساكنة الرِّيح [4].

وقال ابن منظور: «وسجا البحر وأَسجى إذا سكن، وسجا اللَّيل وغيره يَسْجُو سُجُوّاً وسَجْواً سكن، وليلة ساجية، إذا كانت ساكنة البرد والرِّيح والسَّحاب... سَجَّى الميِّت غطَّاه، وسَجَّيتُ الميِّت تسجيةً: إذا مَدَدْتَ عليه ثوباً... والمُتَسجِّي المتُغَطِّي في اللَّيل السَّاجي؛ لأَنــَّه يُغطَّى بظلامه وسكونه... سَجَا يَسْجُو سَجْواً، وسُجِّي يُسَجِّي، وأَسْجَى يُسْجِي كلُّه غطَّى شيئاً ما، والتَّسجية: أَنْ يُسَجَّى الميِّت بثوب، أَيْ: يُغطَّى به» [5].

وقد جاء هذا الفعل (سُجِّي) مرَّةً واحدة في الخطبة، وهو سابع الأَفعال الَّتي أَوردها أَمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت في المغتسل بعد موته، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَعَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ».

وكلا المعنيين ــ أَعني: 1 ــ الرُّكود والسُّكون 2 ــ تغطية الشَّيء ــ وارد في الفعل (سُجِّي) في الخطبة؛ فهو إمَّا أَنْ يُرادَ به أَنَّ الميِّت بعد أَنْ تُغمض عيناه، وتُمدَّ يداه ورجلاه، ويُوجَّه إلى القبلة، ويُجرَّد من ثيابه، ويُغسَّل، ويُنَشَّف، ويُرجَع به إلى حال السُّكون والرُّكود، أو أَنــَّه يُغطَّى بثوب، أَو قطعة من القماش بعد أَنْ يُغسَّل بالأَغسال الثــَّلاثة، ويُنشَّف، بَيْدَ أَنَّ الأَقوى عندي المعنى الأَول، وهو السُّكون والرُّكود، فبعد أَنْ يُغسَّل بدن الميِّت بالأَغسال الثــَّلاثة، وبعد أَنْ يُقلَّب في ذلك كلِّه يميناً ويساراً في أَثناء الغسل، ويُنشَّف بدنه، يُرجع به إلى حال السُّكون والرُّكود؛ ليكون مسجَّىً، بعد أَنْ يكون قد بُسِطَ له، أَيْ: يُفتح له الكفن بعد أَنْ كان معقوداً، ويُهيَّء له، أَيْ: تُرتَّب قطع الكفن الثــَّلاث: المئزر، والقميص، والإزار؛ لتُنْشَرَ عليه، فيكون الكفن مستولياً على جسده كُلِّه.

فضلاً عن ذلك، فإنَّ العلماء ــ في رسائلهم العمليَّة ــ في باب (تغسيل الميت) لم يذكروا أَنَّ بدن الميِّت بعد أَنْ يُغسَّل، يُنشَّف، ويُغطَّى بثوب، بل إنَّ الخطوة الأُخرى هي التَّكفين ــ والله أَعلم ــ.
وما قيل في الفعل (جذبت نفسه ــ يقال ــ هنا ــ مع الفعل (سُجَّي) في بنائه للمجهول؛ فقد بني للمجهول لأَمرين. أَحدهما: التَّركيز على الحدث، وهو التَّسجية، والآخر: أَنــَّه لا يُعْلَمُ مَنْ سيقوم بهذه العمليَّة، غير أَنــَّها كائنة لا محالة.
و(سُجِّي) فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى (مَنْ جذبت نفسه)، وجملة (سُجَّي) معطوفة على جملة (نُشِّف) )([6]).

الهوامش:
[1]. الضحى:2.
[2]. العين: 1/487. وينظر: تهذيب اللغة: 4/30، وأساس البلاغة: 1/108.
[3]. معجم مقاييس اللغة: 3/106.
[4]. ينظر: المحيط في اللغة: 2/128.
[5]. لسان العرب: 14/372و 373.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص212-214.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2531 Seconds