الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
إن أولى الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) هم أهل بيته (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مستشهداً في قوله تعالى:\\ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ }[1]، وقَوْلُه تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }[2]، فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ وتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ\\[3].
فسبحانه وتعالى اصطفى آدم (عليه السلام) وجعله خليفته في أرضه، ثم اصطفى من ولده أنبياء، قال تعالى: {اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ }[4].
فهذه الذرية الطيبة هي أولى بالنبوة، ذلك لطهارة منبتهم فقد أخرجهم سبحانه من أفضل المعادن وأجودها، هذا من حيث النسب.
أما السبب الثاني هو معرفتهم بالله وطاعتهم له سبحانه، لذا فضلهم واختارهم وميزهم عن سائر خلقه.
وهذه الطاعة تمثلت في قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم وإسماعيل بقوله: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[5].
فقد اختار سبحانه إسماعيل ذلك لمعرفته به سبحانه وطاعته وامتثاله لأوامره فقوله لأبيه { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }. كافٍ في بيان طاعته وتسليمه وامتثاله لأمر الله لذا كان أولى من غيره بالخلافة.
كذلك الإمام علي (عليه السلام) وذريته هم أولى بالنبي (صلى الله عليه وآله) لقرابتهم منه نسباً وسبباً، فأما قرابته النسبية فهو ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوج ابنته وأبا ولده.
روي عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب مع فاطمة ابنتي، وإن الله تعالى اصطفاهم كما اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، فاتبعوهم يهدوكم إلى صراط مستقيم، وقدموهم ولا تتقدموا عليهم فإنهم أحلمكم صغارا، وأعلمكم كبارا، فاتبعوهم فإنهم لا يدخلونكم في ضلال، ولا يخرجونكم من هدى))[6].
وقد ظهرت تجليات هذه القرابة حينما ضمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك الكساء ثم قال: (اللّهُمَّ إِنَّ هؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخاصَّتِي وَحامَّتِي لَحْمُهُمْ لَحْمِي وَدَمُهُمْ دَمِي... إِنَّهُمْ مِنِّي وَأَنا مِنْهُمْ)[7].
وفي حادثة المباهلة أشار سبحانه وتعالى الى قرابتهم القريبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ}[8].
وقد جعلهم الله سبحانه أولى الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيا وميتا لطاعتهم لله ولرسوله وهذا ما ميزهم، ففي النهج قال (عليه السلام): (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ)[9].
فهذا الكلام يبين قربه المادي والمعنوي، وهذا القرب لم يأت إلا من خلال الطاعة لله سبحانه ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فبهذه الطاعة صار الأقرب والأولى به حيا وميتاً.
ومن خطبة له (عليه السلام) موضحا فيها قربه وطاعته ومواساته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (ولَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)، أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّه ولَا عَلَى رَسُولِه سَاعَةً قَطُّ، ولَقَدْ وَاسَيْتُه بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ، الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأَبْطَالُ، وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّه بِهَا، ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي، ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي، ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه (صلى الله عليه وآله) والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي)[10].
فكل صحابي مقرب حفظ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذ منه يعلم علم اليقين أن الإمام علي (عليه السلام) أقرب الناس الى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ذلك لما له من تضحيات ومواقف شهدتها الناس.
ومن حكمة له (عليه السلام) قال فيها: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالأَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِه ثُمَّ تَلَا { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }[11]، ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَلِيَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اللَّه وإِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُه، وإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى اللَّه وإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُه)[12].
فعلي (عليه السلام) أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلمة وطاعته لا لقرابته من النبي فقط، كذلك فاطمة الزهراء والحسنان (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) نالوا هذه القربى من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لطاعتهم وتصديقهم واتباعهم، فكان صلوات الله وسلامه عليه يقول فاطمة روحي وفي بعض الروايات بضعتي وقال علي نفسي والحسنان ريحانتي، وكلنا نعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يجامل على حساب القرب النسبي وإنما كلامه وحي من عند الله فحينما يقول عليٌّ نفسي فهو حق أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وصل الى هذه المكانة ذلك باقتدائه برسول الله (صلى الله عليه وآله) كذلك باقي العترة الطاهرة استحقوا أن يكونوا أولى الناس برسول الله لمواقفهم التي شهد لها الله والناس.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
[1] - الأنفال: 75.
[2] - آل عمران: 68.
[3] - نهج البلاغة، من كتاب له (عليه السلام) جوابا الى معاوية، ص387.
[4] - آل عمران: 33 – 34.
[5] - الصافات: 101.
[6] - بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج23، ص144.
[7] - حديث الكساء، رواه الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان، ص869.
[8] - آل عمران: 61.
[9] - خطبة القاصعة: 192، ص300، تحقيق صبحي الصالح.
[10] - 197 ومن كلام له (عليه السلام) ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله وأمره ونهيه، ص311.
[11] - آل عمران الآيَةَ: 68.
[12] - نهج البلاغة، الحكمة: 96.