الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في فكر أمير المؤمنين(عليه السلام(.
الباحث: الشيخ سجاد الربيعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين. وبعد:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالإِسْلَامِ واسْتَخْلَصَكُمْ لَه - وذَلِكَ لأَنَّه اسْمُ سَلَامَةٍ وجِمَاعُ كَرَامَةٍ - اصْطَفَى اللَّه تَعَالَى مَنْهَجَه وبَيَّنَ حُجَجَه - مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وبَاطِنِ حُكْمٍ - لَا تَفْنَى غَرَائِبُه ولَا تَنْقَضِي عَجَائِبُه - فِيه مَرَابِيعُ النِّعَمِ ومَصَابِيحُ الظُّلَمِ - لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحِه - ولَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِيحِه - قَدْ أَحْمَى حِمَاه وأَرْعَى مَرْعَاه - فِيه شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِي وكِفَايَةُ الْمُكْتَفِي)[1].
الإسلام مشتق من السلامة أي السالم من آفات الدنيا ومهالك الآخرة إذا أدى حقه، ويدخل أيضًا في مفهوم السلامة العيش في دائرة الإسلام بلا مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وبلا تخاصم وتصادم، بل مع التعاون والتراحم، وبلا فوضى وفساد، بل مع الصلاح والنظام، وبلا عصبية وتفرقة، بل مع العدالة والمساواة. وبلا غش ورياء، ولا خيانة وأهواء.. ولا مشكلة تكدر صفو الحياة[2] فكل ما في القران هو دستور للحياة بما يحقق أهداف البشر وطموحاتها وحل مشاكلها، ففيه معارف عظيمة.
قال البحراني: (ثمّ أخذ عليه السّلام في إظهار منّة الله عليهم بالقرآن الكريم وتخصيصهم به من بين سائر الكتب واعدادهم لقبوله من سائر الأمم . ثمّ نبّه على بعض أسباب إكرامه تعالى لهم به أمّا من جهة اسمه فلأنّه مشتق من السّلامة بالدّخول في الطَّاعة)[3]، ومرابيع النعم: هي الأمطار التي تأتي في زمن الربيع، فتحيي الأرض بعد موتها وجدبها. والمراد: وصف ما جعله اللّه جلّ جلاله في الإسلام من حياة القلوب ببركة القرآن ولزوم أوامره ونواهيه وحكمه وآدابه، و تهذيب النفوس، التي بها يصل الإنسان الى الدرجات الرفيعة، و المراتب السامية[4].
يشير الإمام (عليه السلام) الى أن القرآن المعجز الدائم على مدى العصور, (لا تفني غرائبه، ولا تنقضي عجائبه)، لأن الكون من صنع الباري سبحانه وتعالى, ومن خلال القرآن الكريم والعلوم الحديثة نستطيع الوقوف على أسرار هذا الكون البديع وروائعه, وفى هذا ما يؤكد أن الكون هو كتاب الله الصامت، وأن القرآن هو كتاب الله الناطق بما يدل على علم الله بأسراره)[5].
يتبين من ذلك: إن للَّه تعالى آيات متنوعة، منها ما يدرك بالعقل، ومنها ما يدرك بالسمع، ومنها ما يدرك بالبصر، وعلى الإنسان أن يستعمل هذه الأدوات لمعرفة آيات اللَّه التي ذكرها في كتابه، ومتى علم وآمن بها وعمل بموجبها كان من أهل القرآن، وأهل الله وخاصته, قال تعالى: ((وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا))[6].
ومن خلال التمعن والتدبرفي القرآن الكريم, نجد فيه قضايا علمية تبهر العقول, على الرغم من جهل الجاهلين فيها على حد تصورهم وفهم عقولهم, الذين توقفوا في القرآن الكريم على حد القضايا اللغوية أو السحر وما شابه ذلك.
فالقرآن الكريم يخاطب الإنسانية والعقل البشري, لكي يصل الإنسان بعقله وروحه الى أقصى درجات الكمال في فهم الآيات الإلهية التي تتحدث عن الكون وصانعه, يقول سبحانه وتعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ))[7]، وقال تعالى في سورة ص: ((إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ))[8].
ويتضح أن قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم تظهر متجددة يوما بعد يوما, وهذا ما ينبأ عن عظمة الدين الإسلامي وسعة آفاقه في جميع العلوم والمعارف إلا وكان في هذا الكتاب الكريم بيانه.
وفي تفسير قوله تعالى: ((وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ))[9]. إنّ هذه الآية التي لها نظائر كثيرة في القرآن، توضّح أنّ الجبال وسيلة لتثبيت الأرض، كما أشار الى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام): (فلما سكن هياج الماء من تحت أكنافها وحمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على أكتافها فجر ينابيع العيون من عرانين أنوفها، وفرقها في سهوب بيدها وأخاديدها وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها، فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع أديمها، وتغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها، وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها وفسح بين الجو وبينها، وأعد الهواء متنسما لساكنها، وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها)[10].
يرسم لنا الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع الحقيقة العلمية في تشكل الجبال بعد أن سكن الماء الحامل للأرض وأحاطها من جميع أطرافها، فيقول (عليه السلام): لما حمل اللَّه تعالى شواهق الجبال على أكتاف الأرض، فجر ينابيع العيون من سفوحها، وأجرى تلك الينابيع في شقوق الأرض وصحاريها، وعدل بذلك حركة الأرض بما أنشأ من الصخور الثقال والجبال العالية، فسكنت عن الاضطراب لنزول الجبال في أجزاء سطحها، ودخولها في أصول الأرض... ثم جعل سبحانه للأرض جوا فسيحا، جعل أسفله موضعا لحركة الهواء، الذي يروّح بنسيمه عن المخلوقات التي أوجدها عليها، وأمّن لها جميع مرافقها، وقد تثبت الحقيقة في كلام الإمام (عليه السلام) اليوم من الناحية العلميّة من جهات عديدة:
1ـ أن الله سبحانه وتعالى خلق الجبال في أصولها مرتبطة مع بعضها كالدرع المحكم, تحفظ الكرة الأرضية أمام الضغوط الناشئة من الحرارة الداخلية التي تتفجر منها البراكين.
2ـ ومن جهة أخرى أن سطح الأرض معرض للاضطراب بين الحين والآخر عن طريق حدوث الزلازل المدمرة كانت ستبلغ حدًا ربما لا تدع معه للإنسان مجالا للحياة, فثبت الله سبحانه وتعالى الأرض بالجبال الرواسي, يقول (عليه السلام) فسكنت عن الاضطراب لنزول الجبال في أجزاء سطحها ودخولها في أصول الارض.
3ـ اكتشف العلم الحديث أن الجبال تتركب في الأرض من خلال الأوتاد, وأشار سبحانه وتعالى إلى هذه الجبال في كتابه العظيم, ووصف شكلها الظاهر والباطن مشبهاً لها بالأوتاد, قال تعالى: (﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾)[11], فقد جاء في سياق هذه الآية المباركة, قوله تعالى إشارة إلى أن الجبال توازي بشكلها الغطاء النباتي وما تخزنه من مياه ((وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ))[12].
4ـ جعلها سبحانه وتعالى طرقًا يهتدي بها الإنسان وطريقة ميسرة على تنقله لآلاف السنين قال تعالى: ((وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ))[13].
الهوامش:
[1] ـ نهج البلاغة, خطب الإمام علي ( ع ) ( تحقيق صالح )212.
[2] ـ ينظر في ظلال نهج البلاغة , محمد جواد مغنية : 2/375 .
[3] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : حبيب الله الهاشمي الخوئي : 9/183 .
[4] ـ ينظر: شرح نهج البلاغة , ابن ميثم البحراني : 3 /238 .
[5] ـ القرآن وإعجازه العلمي : محمد اسماعيل إبراهيم , دار الفكر العربي - دار الثقافة العربية للطباعة , ( د ط ) : 48.
[6] سورة الاسراء: 45ـ 46ـ 47
[7] ـ سورة فصلت: 53 .
[8] ـ سورة ص: 87ـ 88.
[9]- النحل : 15 .
[10] ـ نهج البلاغة , خطب الإمام علي ( ع ) : 1/ 175 .
[11] ـ سورة النبأ : 7 .
[12] ـ سورة الحجر : 19 .
[13] ـ سورة الانبياء: 31 .