زينب.. تُشرق شمسًا في كربلاء

مقالات وبحوث

زينب.. تُشرق شمسًا في كربلاء

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-01-2019

زينب.. تُشرق شمسًا في كربلاء

 

بقلم الباحثة: خُطَى الخزاعي

 

إنَّ الكلام عن الشخصيات الكبيرة كشخصية الحوراء زينب (صلوات الله وسلامه عليها)، قطعًا سيحوطه القصور في البلوغ، فمهما أفصحت معانيه ستبقى أطرافه تعاني العجر والتيه في تلك الأبعاد التي وصلت غاياتها في عالم الإمكان، فتعلن العقول والأقلام تصاغرها عند أعتاب تلك الرحاب، وتحكي انحسار البصر ووقوف حد الفهم، وتسجل مبلغ علم العارفين بعقيلة بني هاشم (صلوات الله وسلامه عليها).

 

أطلت (صلوات الله وسلامه عليها) نجمًا ثالثًا في البيت العلوي الطاهر في الخامس من شهر جمادى الأولى من السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة([1])، لتتلقفها يد النبوة الحانية بمزيج من الفرح والبكاء، فكان(صلى الله عليه وآله وسلم) فرحًا على العادة الجارية في استقبال الأهل لوليدهم الجديد، وأيُّ مولودة مباركة كانت، وباكيًا لأنه قرأ مع قسمات وجهها هول ما سترى في حياتها من آلام ومصائب .

 

ويترعرع هذا الغصن المبارك بظلال الشجرة الطيّبة وبين أركان البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، فكانت تعايش ما تطرح هذه الشجرة من أُكل في كل حين، وتسمع بالمباشرة آيات الوحي على لسان جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتختزن ما ترى وتسمع إعدادًا لهول يومها الموعود، الذي تكون فيه تالية المعصومين في الذبِّ عن حياض الدين وإبقاء ذكر الله، ومنذ صغرها (عليها السلام) تفتقت مواهبها الجمّة، وبرزت مزاياها الفريدة، لتنبئ عن زينب المستقبل، ومن تلك المواقف التي حكت فطنتها وذكائها (أنَّها كانت جالسة في حجر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهي صبية وعلي (عليه السلام)  يضع الكلام ويلقيه على لسانها فقال لها : بنية قولي واحد قالت: واحد فقال لها: قولي اثنين، فسكتت، فقال لها تكلمي يا قرة عيني، قالت: أبتاه ما أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد فضمّها أمير المؤمنين إلى صدره، وقبَّلها بين عينيها)([2])، ومع كل مرحلة من مراحل عمرها الشريف، تبرز أنموذجا متفردًا في الخصائص والصفات، فكانت (سلام الله عليها) في سُلّم صعود التهيأة والإعداد لأعظم أدوار حياتها، فمنذ وعت الحياة وإذا بها تفقد أحبتها واحدًا تلو الآخر وتعاين طرح الشجرة المباركة، فتصبر وتواصل سيرها بخطىً ثابتة وعزيمة منقطعة النظير، وكان أهل البيت (سلام الله عليهم) كثيرًا ما يُطلعون السيدة زينب (عليها السلام) على دورها في قابل الأيام، لمواساتها وإمدادها بمزيد دعم، وتهيأتها على النحو الأكمل، ومن شواهد ذلك (أنَّ مولاتنا زينب (عليها السلام) رأت رؤيا مخيفة وهي في عمر الطفولة، فحدّثت بها جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا جداه رأيت البارحة أنَّ ريحًا عاصفة قد انبعثت فاسّودت الدنيا وما فيها وأظلمت السماء، وحركتني الرياح من جانب إلى جانب، فرأيت شجرة عظيمة، فتمسكت بها لكي أسلم من شدة الريح العاصفة، وإذا بالرياح قد قلعت الشجرة من مكانها، وألقتها على الأرض، ثم تمسكت بغصن قوي من أغصان تلك الشجرة فكسرتها الريح وتعلقت بغصن آخر فكسرتها الرياح العاصفة، فتمسكت بغصن وغصن رابع، ثمَّ استيقظت من نومي، وعندما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها الرؤيا بكى وقال: أمَّا الشجرة فهو جدك، وأمَّا الغصنان الكبيران، فهما أمك وأباك، وأمَّا الغصنان الآخران فأخواك الحسنان، تسود الدنيا لفقدهم، وتلبسين لباس المصيبة والحداد في رزيتهم )([3])، وكذا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) قد فصّل لها أحداث كربلاء وما سيجري عليها وآل بيتها مصائب (وذات يوم دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) الدار، فسمع ابنته زينب (عليها السلام) تتحدث للنساء في درسها عن الحروف المقطعة في أوائل السور وعن بداية سورة مريم بشكل خاص- وذلك عندما كانت السيدة زينب (صلوات الله وسلامه عليها) تعلّم نساء الكوفة معالم الدين وتفسير القرآن- وبعد انتهاء الدرس التقى الإمام بابنته وقال لها: يا نور عيني إنَّ هذه الحروف هي رمز لما سيجري عليك وعلى أخيك الحسين في أرض كربلاء، ثم بدأ يحدثها تفاصيل تلك الفاجعة)([4]).

 

وما إن وصلت أعلى رتبة ًفي سُلّم الإعداد، بُعثت ( سلام الله عليها ) برسالتها في كربلاء، إذ وقفت في مصاف أعمدتها مساهمة في انعاش قلب الدين، الذي أحاله المغتصبون بتواليهم على مقامات أهل بيتها أثرًا بعد عين، فشاطرت الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) أعباء ثورته، أذ اضطلعت (سلام الله عليها) بوظائف وأدوار متعددة، فكانت سلام الله عليها متواجدة في أغلب المواقف في كربلاء بوصفها عنصر إمداد تبث روح الطمأنينة وتمنح الصبر لشخوص تلك المواقف، ولعلَّ أعظم مَهمة مارستها فخر المخدرات هي ارتقاؤها منصة عاشوراء، فكانت لسانها الناطق وبيانها اللاذع، موثقة تضحيات آل الرسالة، وانتهاكات جبهة الكفر المتأخرة، فأينع إعلامها العاشورائي منابر تبكي الحسين عَبرة، وتدرسه عِبرةً، وتقدمه للأجيال بإنسانيتها رواية عن زينب (والله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا...).

الهوامش:

[1] زينب الكبرى ،الشيخ جعفر النقدي :ص17

[2] ينظر: شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري:2/392، زينب الكبرى ،الشيخ جعفر النقدي: 34

[3] زينب الكبرى ،الشيخ جعفر النقدي: 18

[4] الخصائص الزينبية ،السيد الجزائري:68،رياحين الشيعة ،المحلاتي:3/57

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3962 Seconds