خُطَى الخزاعي
استأنس بجدران غار بعيد ومظلم، فراح يتعبد فيه نائيًا ببدنه وروحه عن طقوس الوثن وشعائره، فيبدأ طقس تعبده برحلة يقود زمامها تفكر حر متنقل بين أفق رحيب يُنَصِّف الكون العظيم، وزوايا متعددة تصف سعته، ومخلوقات أعيت العد والإحصاء كثرة وتنوعًا، فيتذوق الجمال ويتلمس الحكمة ويناغي الموجودات بذكر الإله، فتجيبه شكرًا وتسبيحًا للمبدع المصور، ثم يؤمها بمناجاة موحدة للربِّ، فما يكون منها إلّا أن تتطلع فيه فترسمه إمام هدى، وتحكيه محل فيض ينساب من بين يديه لطف الإله وتمر منه سكينته، كان هذا دأبه وديدنه، فيعود من تعبده في كل مرة منشرح الصدر مطمئن الجَنان، وما أن تلوح له رسوم مكة وشواخصها، وتلك الحجارة المتسمرة التي تمركزت ببيت الإله واعتلت جدرانه، وجمع الطائفين حول البيت إليها تصفيقًا وتصفيرًا، حتى تنهمر عيناه بالدموع ويقف موقف المستحيي من خالقه، فيطأطأ رأسه رافعًا كفه إلى السماء "اللهم اهدهم إنَّهم لا يعلمون"
وفي مرة جاءه ردٌ، ارفع رأسك أيُّها الحبيب، لأنعُمَنَّك عينًا، سأهدهم بك، ستهوي هذه الاحجار مرغمة خاسئة بكف أعددتها لتؤازرك، سيُأَذَن من أعلى الكعبة بالتوحيد، رسالتي إلى أمتك أيُّها الخاتم أن تُعلِمَهم أنَّ شرط هدايتهم وقيد قبولي دينهم، أن يأتموا بمن أختاره هاديًا وأجعله إمامًا، أفهمهم أن ليس بين الدين الحق الذي ستبعث به إليهم والجاهلية التي هم عليها الآن إلّا معرفة إمام زمانهم، فمن مات على معرفته واتباعه مات على ديني ومن مات على جهالته مات على غير ملتي، أعلم أيُّها الخاتم أنَّ أمتك ستُكذِّبك، سترميك بالجنون والسحر وتلاوة الأساطير، سيقاطعونك وسيأتمرون بك ليقتلوك ويخرجوك من ديارك، ستنال منهم كل الإنكار والأذى، فماذا تقول؟؟
"سأقبل محتسبًا راضيًا مادام في عينك وأنَّهم في نهاية الأمر سيهتدون..."
اعلم أيضًا أنَّ رحلة الأذى لن تنتهيَ بترك الصنم ونطق التوحيد، اعلم أنَّ من يدَّعي اتباعك سيؤذيك أكثر في نفسك وعقبك، سيرميك بالهجر، سيبخسونك الأجر الذي أوجبته لك عليهم، سيرمون بشرط الدين وراء ظهورهم، متصدين للمحال التي ليست لهم، سيبتدعون في الدين وسيدسون ما تراه الآن من جاهلية فيلبسوها ثوب الدين ويبعثوها من جديد، والآن أيُّها الحبيب ماذا تقول؟؟
"أقبل راضيًا شاكرًا مادام الدين سيصل ولو لبضعة نفر..."
أذن اعلم أيضًا أنَّهم سيتطاولون على بضعتك التي سأمنُّ بها عليك ويقتلوها مع جنينها هاتكين حرمة بيتها، وهي تدافع عن ديني ومحل وليي...
أراك قد دمعت عينك ولفحت قلبك نار الحسرة والتفجع...
اعلم أيضًا أنَّهم سيهدمون ركن الهدى ويغتالون حبيبك وأخيك بعدما يجرعونه كاسات الألم والأذى سيملئون قلبه قيحًا، فلا يجد من يشتكي إليه سوى بئر يفرغ فيها آهاته وتظلمه..
مالي أراك الآن وقد حني ظهرك وانهدت قواك؟؟
اعلم أيضًا أنَّهم سيعمدون إلى ولديك وريحانتيك اللذين سيكونان لقلبك بهجة ولنفسك أُنسًا، فيؤذوك فيهما، سيقتلون حسنك، وسيرتقي إليَّ شهيدًا مسمومًا، وسيمر عليك أشد البلاء إذ لا يوم كيوم حسينك، سيقتلونه بكل قتلة وهو عطشان ممثلين ببدنه الطاهر، سيجعلون من صدره ميدانًا لحوافر أفراسهم، سيقتلون كل أهل بيته حتى طفل رضيع وأصحابه المنتصرين له، سيسبون عقائلك ويسيرونهن في الطرقات بلا حام أو كفيل...
حقك أيُّها المثكول أن تجثوَ على ركبتيك تضع التراب على رأسك، فماذا تقول ؟؟
"ربِّي أفرغ عليَّ صبرًا، وثبتني على البلاء، سأقبل واجتهد ولكن مولاي، إلى أين سيصير دينك بعد كل هذا؟؟؟"
سيحفظ بالخلف من ولدك ، صابرٌ بعد صابرٍ وصادقٌ بعد صادقٍ، وسيمضي كل واحد منهم شهيدًا مظلومًا، وسأدَّخِر حتمًا من ولدك بقية بها أظهر ديني، وأثأر به من أعدائي قاتلي أوليائي، به سأملأ أرضي قسطًا وعدلًا بعدما سيعيث فيها المجرمون الفساد ويملؤوها ظلمًا وجورًا، فينعش الموعود الدين من جديد منتصرًا لي فحق علي أن أنصره..
بعد كل هذا ماذا تقول ؟؟؟
فيجيب الخاتم ساجدًا، متى تأذن لي ربي، فأنا طوع أمرك فسددني برحمة منك وصبرًا وكن لي وكيلًا.
إذن انطلق أيُّها الحبيب بصحيفة الرسالة التي صدرتها بـ( لم يؤذَ نبيٌّ مثل ما أوذي الخاتم) فاتلوا عليهم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا 0 وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا 0 وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا 0 وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [ الأحزاب : 45،46،47،48]