محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الرسل وسيد الخلق أجمعين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
وبعد...
فمن الألقاب التي حازها أمير المؤمنين (عليه السلام) لقب (صالح المؤمنين) فهو أول من آمن بالله ورسوله وساند الدين وجاهد مع النبي الكفار والمنافقين، فكان وحده أُمة لذا لقب بهذا اللقب.
قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}[1].
جاء في شواهد التنزيل للحسكاني عن أسماء بنت عميس قالت: ((سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (وصالح المؤمنين) (هو) علي بن أبي طالب))[2].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ((لمّا نزلت: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): يا عليّ، أنت صالح المؤمنين))[3].
ومعنى (صالح المؤمنين) أي أتقى المؤمنين وخيرهم وكيف لا يكون ذلك وهو نفس النبي الذي قال بحقه رسول الله (صلى الله عليه وآله): علي مني وأنا منه، وغير ذلك من الأحاديث التي بيَّن فيها فضلة ومكانته عند الله.
وقيل : (صالح المؤمنين ) واحد في موضع الجمع[4].
فالإمام علي (عليه السلام) سطَّر بمجده أروع الملاحم والبطولات وكان وحده جيشا بأكمله، وقد أكد الإمام (عليه السلام) في معركة أحد هذه أنه صالح المؤمنين وأشجعهم وخيرهم ذلك عندما ثبت أمام العدو وهو وحده يذب عن رسول الله حتى أُثخن بالجراح وقد شهد له الله تعالى وجبرائيل والملائكة بأن لا فتى إلا هو.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب غضبا شديدا، قال: وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق، قال: فنظر فإذا علي (عليه السلام) إلى جنبه فقال له الحقْ ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله، فقال: يا رسول الله لي بك أسوة، قال: فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقى منهم، فقال: جبرئيل (عليه السلام) إن هذه لهي المؤاساة يا محمد فقال: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما يا محمد، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام) فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى جبرئيل (عليه السلام) على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)[5].
وقد فضله (صلوات الله وسلامه عليه) على جميع الخلق حينما قرنه بنفسه وكان جبرائيل (عليه السلام) يتشرف أن يكون منهم وقد سأل الله ان يهبط معهم ليكون في ذلك الكساء.
قال ابو جعفر (عليه السلام): (لقد عرّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) أصحابه مرّتين؛ أمّا مرّة فحيث قال: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية :{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد عليّ (عليه السلام) فقال: أيّها الناس ، هذا صالح المؤمنين)[6].
فكم من موطن بيَّن فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويكفي يوم غدير خم حيث قال لهم رسول الله (من كنت مولاه فعلي مولاه)[7].
فهل يقاس بأمير المؤمنين (عليه السلام)، أحد من الناس؟
وكيف يقاس به أحد وهو من قال عنه رسول الله (هو خير أهلي وأقرب الخلق مني، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من روحي، وهو الوزير مني في حياتي والخليفة بعد وفاتي، كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)[8].
فأي كلام أوضح من هذا حتى يعرفوا من هو علي ابن ابي طالب (عليه السلام)!!
فهل الناس في غفلة؟ أم أنهم حسدوه على هذه النعم والكرامات.
قال الإمام علي (عليه السلام): (شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسد الناس لي فقال : " أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذرياتنا خلف أزواجنا "[9].
وكان (عليه السلام) يشهد أنه صالح المؤمنين وأنه خير الناس بعد نبي الرحمة، ففي رواية قال رشيد الهجري: (كنت أسير مع مولاي عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في هذا الظَّهر، فالتفت إليّ فقال : أنا - والله يا رشيد – صالح المؤمنين)[10].
وفي الختام ان الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
[1] - سورة التحريم: 4.
[2] - شواهد التنزيل ، ج2، ص344، كنز العمال، المتقي الهندي، ج2، ص539. بسند عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
[3] - تفسير فرات الكوفي، ص489.
[4] - التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج10، ص48.
[5] - الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص110.
[6] - تفسير فرات الكوفي، ص490.
[7] - قرب الاسناد، الحميري القمي، ص57.
[8] - التوحيد، الشيخ الصدوق: ص311.
[9] - بحار الأنوار، ج23، ص235.
[10] - المصدر نفسه، ص491.