موقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تجاه الصحابة
ورد في كتاب للإمام عليّ ( عليه السلام ) إلى معاوية - جواباً على كتاب له - ما نصّه :
كان أشدّ الناس عليه ] على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) [تأليباً وتحريضاً هم أُسرته ، والأدنى فالأدنى من قومه إلاّ قليلا ممّن عصمه الله منهم . و أنّ الله اجتبى لرسول الله من المسلمين أعواناً أيّده بهم ، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام ، فكان أفضلهم في الإسلام - كما زعمت - وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصدّيق ، ومن بعده خليفة الخليفة الفاروق .
ثمّ قال: وما أنت والصدّيق ؟ ! فالصدّيق من صدّق بحقّنا وأبطل باطل عدوّنا ، و ما أنت والفاروق ؟ ! فالفاروق من فرّق بيننا وبين عدوّنا . و ذكرت أنّ عثمان بن عفّان كان في الفضل ثالثاً ، فإن يكن عثمان محسناً فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئاً فسيلقى ربّاً غفوراً لا يتعاظمه ذنب أن يغفره . ولعمر الله ، إنّي لأرجو إذا أعطى الله المؤمنين على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ولرسوله أن يكون نصيبنا أهل البيت في ذلك الأوفر .
إنّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد له كنّا أهل البيت أوّل من آمن به وصدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا كاملة مُجَرَّمَةً تامّةً وما يَعبد الله في رَبْع ساكن من العرب أحدٌ غيرُنا ، فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا ، وهمّوا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا الميرة ، وأمسكوا عنّا العذْب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرّونا إلى جبل وعر ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتاباً : لا يؤاكلوننا ، ولا يشاربوننا ، ولا يناكحوننا ، ولا يبايعوننا ، ولا يكلّموننا ، ولا نأمن فيهم حتّى ندفع إليهم نبيّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيقتلوه ويمثّلوا به ; فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى موسم . فعزم الله لنا على منعه ، والذبّ عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف ، وبالليل والنهار ; فمؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل . وأمّا من أسلم من قريش بعد ، فإنّه خلوٌّ ممّا نحن فيه بحلْف يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهو من القتل بمكان نجوة وأمن ; فكان ذلك ما شاء الله أن يكون . ثمّ أمر الله تعالى رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا احمرّ البأس ، ودعيتْ نزال ، وأحجم الناس قدّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرّ السيوف والأسنّة ، فقُتل عبيدة ابن الحارث يوم بدر ، وقُتل حمزة يوم أُحد ، وقُتل جعفر وزيد يوم مؤتة ، وأسلمَ الناسُ نبيَّهم يوم حنين غير العبّاس عمّه وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ابن عمّه ، وأراد من لو شئت يا معاوية ذكرتُ اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير مرّة ، ولكنّ آجالهم عُجّلت ومنيّته أُجّلت ، والله وليّ الإحسان إليهم ، والمنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات .
وأيم الله ما سمعت بأحد ولا رأيت من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربّه ، ولا أصبر على اللأواء والضرّاء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هؤلاء النفر من أهل بيته الّذين سمّيت لك ، وفي المهاجرين خير كثير نعرفه جزاهم الله خيراً بأحسن أعمالهم .
وذكرتَ حسدي على الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم ; فأمّا الحسد والبغي عليهم ، فمعاذ الله أن أكون أسررته أو أعلنته ، بل أنا المحسود المبغي عليه ; وأمّا الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم ، فإنّي لست أعتذر منه إليك ولا إلى الناس ; وذلك لأنّ الله جلّ ذِكره لمّا قبض نبيّه محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اختلف الناس ، فقالت قريش : منّا الأمير ، وقالت الأنصار : منّا الأمير ; فقالت قريش : منّا محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فنحن أحقّ بالأمر منكم ; فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لقريش الولاية والسلطان ; فإذا استحقّوها بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون الأنصار ، فإنّ أوْلى الناس بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحقّ بها منهم ، وإلاّ فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً . فلا أدري أصحابي سلّموا من أن يكونوا حقّي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا ؟ ! بل عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ.
((الصحابة بين العدالة والعصمة: الشيخ محمد السند, ص145-155)).