الباحث: محمد حمزة الخفاجي
وهو من أجلّاء الصحابة والمقربين، الذين عاصروا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذوا منه علوما جما، واستشف من ملازمته لعلي(عليه السلام) صار ميثم من العلماء العارفين بعلم التأويل، وقد أودعه أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا من العلوم الأخرى كعلم المنايا والبلايا.
قال ابن أبي الحديد: و قد أطلعه- ميثم التمار- علي (عليه السلام) على علم كثير، وأسرار خفية من أسرار الوصية[1].
وأخبر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أمير المؤمنين وعن اسمه الأعجمي، وكان (رضوان الله عليه) من حواري علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، ومن خاصته.
قال ابن حجر العسقلاني: نزل الكوفة وله بها ذرية، ذكره المؤيد بن النعمان الرافضيّ في مناقب عليّ (عليه السلام)، وقال: كان ميثم التمار عبدا لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليّ منها، وأعتقه، وقال له: ما اسمك؟ قال: سالم، قال: أخبرني رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) أن اسمك الّذي سماك به أبواك في العجم ميثم، قال: صدق اللَّه ورسوله وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، واللَّه إنه لاسمي قال: فارجع إلى اسمك الّذي سماك به رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) ودع سالما، فرجع ميثم[2].
وقد لقب بالتمار لأنه (رضوان الله عليه) كان يبيع التمر، فهذا الإنسان أحب أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ أن عتقه، فصار ملازما له وكان يعلم ظاهر القرآن وباطنه ومحكمه ومتشابهه، وكل ذلك الفضل يعود لأمير المؤمنين (عليه السلام) فهو من علم ميثم هذه الأسرار، حتى صار ميثم لسان الشيعة الناطق بالحق.
وعن حمزة بن ميثم، قال خرج أبي إلى العمرة، فحدثني قال: استأذنت على أم سلمة (رحمة الله عليها) فضربت بيني وبينها خدراً؛ فقالت لي: أنت ميثم ؟ فقلت: أنا ميثم، فقالت: كثيراً ما رأيت الحسين بن علي وبن فاطمة (صلوات الله عليهم) يذكرك، قلت: فأين هو؟ قالت خرج في غنم له آنفا، قلت: أنا والله أكثر ذكره فأقرأيه السلام فاني مبادر.
فقالت: يا جارية اخرجي فادهنيه، فخرجت فدهنت لحيتي ببان، فقلت: أما والله لئن دهنتها لتخضبن فيكم بالدماء، فخرجنا فإذا ابن عباس (رحمة الله عليهما) جالس، فقلت يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن، فاني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين(عليه السلام) وعلمني تأويله، فقال: يا جارية الدواة وقرطاسا، فأقبل يكتب، فقلت: يا ابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوبا تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة، فقال لي: وتكهن أيضا خرق الكتاب، فقلت: مه احتفظ بما سمعت مني؛ فان يك ما أقول لك حقا أمسكته، وان يك باطلا خرقته قال: هو ذاك؛ فقدم أبي علينا فما ليث يومين حتى أرسل عبيد الله بن زياد، فصلبه تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة، فرأيت الرجل الذي جاء إليه ليقتله وقد أشار إليه بالحربة، وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك الا قواما، ثم طعنه في خاصرته فأجافه فاحتقن الدم فمكث يومين، ثم إنَّه في اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب انبعث منخراه دما، فخضبت لحيته بالدماء)[3].
منزلته:
إن لهذا الصحابي منزلة عظيمة، ودرجة رفيعة يُغبط عليها، ذلك لثباته وحبه لعلي( عليه السلام)، فهذا الصحابي كان ذي شأن عظيم عند الأئمة والصحابة والتابعين.
ومن تلك الروايات ما ورد عن يوسف ابن عمران قال: سمعت ميثم التمار يقول: دعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد - لعنه الله - إلى براءة مني ؟ فقلت إذا والله لا أبرأ منك يا مولاي ، قال: والله ليقتلنك ويصلبنك، قلت: إذا أصبر وذلك والله قليل في حبك قال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي)[4].
فحينما يكون الإنسان في درجة علي (عليه السلام) في الجنة، فأي منزلة هذه وأي درجة نالها هذا العبد الصالح.
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، قال: ثم ينادي أين حواري علي بن أبي طالب(عليه السلام) وصي محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني...)[5].
فالحواريون هم من استوعبوا كلام المعصومين وأيقنوا به لذا صاروا بهذه المكانة وهذه الدرجة.
(قال عليّ [عليه السلام]ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفرك دما فتخضب لحيتك وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة، وأنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على جذعها، فأراه إياها.
وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها، ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت، ولي غذيت، فلم يزل يتعاهدها حتى قطعت، ثم كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد)[6].
فحب علي (عليه السلام)سكن في قلب ميثم لذا هانت عليه تلك المصيبة، فكان (رضوان الله عليه) يتأمل الدرجات الرفيعة التي وعده بها وصي رسول الله(عليهما السلام).
ففي رواية أخرى ان ميثم التمار أتى دار أمير المؤمنين (عليه السلام ) فقيل له: انه لنائم فنادى بأعلى صوته انتبه أيها النائم فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك فانتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ادخلوا ميثما، فقال له: أيها النائم والله لتخضبن لحيتك من رأسك فقال صدقت وأنت والله ليقطع يداك ورجلاك ولسانك وليقطعن النخلة التي بالكناسة فتشق أربع قطعات وتصلب أنت على ربعها، وحجر بن عدي على ربعها ومحمد بن أكثم على ربعها وخالد بن مسعود على ربعها .
أراد ابن زياد (عليه اللعنة) أن لا تتحقق نبوءة الوصي في قتل ميثم لذا قطع يديه ورجليه وصلبه إلا لسانه فلم يقطعه، فأراد بهذا الفعل ان يكذب الإمام عليا عليه السلام وحاشاه من الكذب، فالإمام (عليه السلام) لا يتكلم الا وقد نبأه به الصادق الأمين، لذا كان ميثم متيقناً بأن كل ما أنبا به الوصي سيحدث، وبالفعل فقد تحققت نبوءته (عليه السلام).
روى ابن حجر العسقلاني: (ثم حجّ [ميثم] في السنة التي قتل فيها، فدخل غلام أمّ سلمة أم المؤمنين، فقالت له: من أنت؟ قال: أنا ميثم. فقال: واللَّه لربما سمعت من رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) يذكرك ويوصي بك عليا، فسألها عن الحسين، فقالت: هو في حائط له، فقال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه فلم أجده، ونحن ملتقون عند رب العرش إن شاء اللَّه تعالى، فدعت أمّ سلمة بطيب فطيبت به لحيته، فقالت له: أما إنها ستخضب بدم.
فقدم الكوفة، فأخذه عبيد اللَّه بن زياد، فأدخل عليه، فقال له: هذا كان آثر الناس عند علي. قال: ويحكم! هذا الأعجمي! فقيل له: نعم، فقال له: أين ربك؟ قال: بالمرصاد للظّلمة، وأنت منهم، قال: إنك على أعجميتك لتبلغ الّذي تريد، أخبرني ما الّذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك. قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنه، قال: كيف تخالفه؟ واللَّه ما أخبرني إلا عن النبيّ (صلى اللَّه عليه وآله وسلم)، عن جبرائيل، عن اللَّه، ولقد عرفت الموضع الّذي أصلب فيه، وأني أول خلق اللَّه ألجم في الإسلام، فحسبه وحبس معه المختار بن عبيد، فقال ميثم للمختار: إنك ستفلت، وتخرج ثائرا بدم الحسين، فتقتل هذا الّذي يريد أن يقتلك.
فلما أراد عبيد اللَّه أن يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله، فخلّاه، وأمر بميثم أن يصلب، فلما رفع على الخشبة عند باب عمرو بن حريث قال عمرو: قد كان واللَّه يقول لي: إني مجاورك، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، قال: ألجموه، فكان أول من ألجم في الإسلام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن بالحربة فكبّر، ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما، وكان ذلك قبل مقدم الحسين العراق بعشرة أيام)[8].
فهذا الإنسان وهو بذلك الحال كان (رضوان الله عليه) يتحدث بفضائل الامام علي (عليه السلام)ومناقبه حتى قتل، فمثل ميثم التمار يكون شاهداً على ضلالة بني أمية، فكل تلك الحجج لا زالت هنالك الكثير من الفئات الضالة التي تدافع عن آل ابي سفيان رغم جهرهم بالفسوق.
عن جبلة المكية قالت: (سمعت ميثم التمار يقول لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره أعلم ذلك بعهد عهده إلى مولاي أمير المؤمنين(عليه السلام) ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار والطير في جو السماء فتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش وتمطر السماء دما ورمادا ثم قال وجبت لعنة الله على قتلة الحسين (عليه السلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس قالت جبلة فقلت له يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم بركة فبكى ميثم ثم قال سيزعمون بحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم (عليه السلام) وإنما تاب الله على آدم (عليه السلام) في ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي وإنما استوت على الجودي في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي فلق فيه البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في شهر ربيع الأول ثم قال ميثم رحمه الله يا جبلة أعلمني أن الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) يوم القيامة ولأصحابه على ساير الشهداء درجة يا جبلة إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أن سيدك الحسين (عليه السلام) قد قتل قال فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنه الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي (عليهما السلام))[9].
الهوامش:
[1] - ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أب الحديد، ج2، ص291.
[2] - الإصابة في تمييز الصحابة، بن حجر العسقلاني، ج6، ص249.
[3] - اختيار معرفة الرجال، (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، ج1، ص294.
[4] - الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، ص133.
[5] - الاختصاص، الشيخ المفيد: ص61.
[6] - الإصابة في تمييز الصحابة: 6/ 249.
[7] - روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص288 – 289.
[8] - الإصابة، ابن حجر، ج6، ص250.
[9] - الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 189- 190.