في بادئ الامر إن الإمام (عليه السلام) ينهانا عن الرياء في العمل الذي نعمله، وكذلك يبين لنا (عليه السلام) إنه من الصفات الذميمة التي لا يقبلها الله تعالى، وان الإمام علي (عليه السلام)، لايريد ان نفعل الخير رياءً، سواء كان هذ الفعل في العبادات؛ كالصوم والصلاة، أوفي التعامل مع الاخرين؛ كمساعدة الفقراء او التكلم مع الناس بكلام طيب وغيرها من الاشكال الخاصة بالرياء.
ويحدث الرياء بسبب قيام بعض الافراد باي فعلٍ كان رياءً، حتى يحصل بسببه على مدح الناس وعلى مكانة في قلوبهم ويريد أن يرونه او يسمعون به ويقولون عنه بانه فعل خيرا، ولا يريد بهذا العمل مرضاة الله عز وجل، وفي هذه الحالة لا يكون صادقا مع الله سبحانه بفعله ولا تكون نيته خالصة له تعالى، فهنا اصبح هذا فعله لغير الله سبحانه، وهنا اشرك بالله بفعله وبعمله هذا، فالإمام علي (عليه السلام) في مضمون كلامه يريد ان نبتعد من هذه الصفة التي تكون في قلب المرء الذي يكون ايمانه بالله تعالى ضعيفا ولا تكون لديه ثقة بنفسه؛ فمن يعمل عملا يريد منه ذياع سمعته وصيته لا يقبله منه الله سبحانه ويعتبر هذا اشراك في ذات الله تعالى، وهذا ما نفهمه من كلام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، إذ أنَّه انه قال في هذا الموضوع: (الرياء إشراك)[2].
والكثير ما نجد من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة وأقوال أهل البيت(عليهم السلام) فيها تأكيد على النهي والابتعاد والتحذير من آفة الرياء؛ لما فيه من خطورة على الانسان المسلم، وهذه الخطورة تتجسد بفساد وابطال فعل الخير اذا كان الشخص يرائي فيه، و يذهب به بثوابه ويصبح هباءً منثورا، وما ورد من الآيات القرآنية في القرآن الكريم التي تحثنا على الابتعاد عن هذا الفعل الدنيء والتحذير منه وعدم اشراك، أي: شيء مع الله تعالى في العمل؛ لأنه سبحانه يعلم ما في داخل قلب الانسان المرائي حتى ولو اخفى ريائه عن الناس ويبين لهم انه لا يرائي بعمله، ولكنه على العكس من ذلك يريد ان يرى فعله الناس حتى يحظى بقبولهم ويكون معروفا عندهم بالسمعة والسيرة الحسنة، ولا يريد بالعمل ان يكون خالصا لله تعالى، إذ أنَّه قال الله سبحانه عن الذين يفعلون الخير رياءً: (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط)[3]، وكذلك الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم بين لنا خطره ووصفه بالشرك الاصغر، أي: ان من يفعل الخير رياءً امام الناس فقد اشرك مع الله تعالى سواء كان يعلم بذلك انه شرك او لا يعلم، كما روي عن النبي (صلى الله عليه واله)، إذ أنَّه أنه قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قيل: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء،...)[4]، وكذلك نجد هذا التحذير في ما روي عن أبي عبد الله عن أبيه(عليهما السلام) قال: (قال الإمام علي :(عليه السلام) واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة)[5]، وكذلك ان الإمام الصادق(عليه السلام) بين لنا حقيقة الرياء إذ أنَّه انه قال: (كلّ رياء شرك)[6].
وان لكل فعل يقوم به الانسان لابد ما تكون له نتائج وان نتائج وعواقب الرياء او(الشرك) الاصغر كما وصفه الرسول(صلى الله عليه واله)، انه يبطل يفسد فعل الخير الذي فعله المرء رياءً، وهذا ما نجده في احاديث الرسول (صلى الله عليه واله) وفي أقوال العترة الطاهرة(عليهم الصلاة والسلام)، إذ أنَّه روي عن النبي (صلى الله عليه واله) قال: (...،يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم؟)[7]، أي: نفهم من الحديث الشريف ان الفعل اصبح باطلا وفاسداً، وان الله تعالى في يوم القيامة يقول للمرائي: اخذ اجر وثواب ما فعلته من الناس الذين كنت ترائي بفعلك امامهم؛ فيصبح من النادمين على فعله هذا الفعل؛ لأن أصبح فعله غير مقبولا من قبل الله عز وجل، وان من يشرك مع الله تعالى احدًا في فعله يرده الله سبحانه عليه ويجعله للذي اشركه المرائي في فعله مع الله تعالى، هذا ما ورد عن أبي عبد اللَّه(عليه السلام) يقول: (قال اللَّه تعالى أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا)[8]، وكذلك ورد عنه عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قال الإمام علي :(عليه السلام) ...؛ فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله يوم القيامة)[9]، واذا المرء لم يجعل نيته خالصة لله تعالى في عمله فإن عمله لا يصعد الى الله تعالى ويبطل ولا يقبله منه، كما قال الإمام الصَّادق (عليه السلام)قال: (اجعلوا أمركم هذا للَّه ولا تجعلوه للناس فإنّه ما كان للَّه فهو للَّه وما كان للناس فلا يصعد إلى اللَّه)[10]، وكذلك أن نتيجة رياء الانسان إنه ينادى يوم القيامة بأبشع الالقاب؛ كالفاسق والفاجر والمرائي، بسبب بشاعة فعله السيء، وكذلك يقال له خذ اجر وثواب عملك من الذي كنت ترائي بفعلك امامه، وهذا ما روي عن الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله)، إذ أنَّه انه قال: (ان المرائي ينادى يوم القيامة يافاجر يا غادر يا مرائي ضل عملك وبطل اجرك اذهب فخذ اجرك ممن كنت تعمل له)[11]، ايضا ان المرائي يكون محروما من الجنة بسبب الرياء وبسبب عدم اخلاصه بالعمل الذي يؤديه امام انظار الناس والذي يريد به اعجاب الناس بهذا العمل ولا يقصد رضا الله تعالى ان النبي صلى الله عليه وآله قال (إن الله حرم الجنة على كل مراء ومرائية وليس البر في حسن الزي ولكن البر في السكينة والوقار)[12]، وان عذاب المرائي يوم القيامة يكون شديدا، إذ أنَّه حتى نار جهنم تستغيث من النار التي يتعذب بها المرائي، إذ أنَّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن النار وأهلها يعجون من أهل الرياء؛ فقيل: يا رسول الله وكيف تعج النار؟ قال: من حر النار التي يعذبون بها)[13].
وان للرياء عدة اشكال منها: ما يقع في العبادات؛ كالصوم والصلاة والحج و الجهاد وغيرها من العبادات، ومنها ما يقع في غير العبادات كالملبس والمأكل والكلام وغير ذلك.
وإن الشخص الذي يرائي بالعبادات تكون له مميزات وصفات خاصة تميزه عن غيره من الناس الذين يقومون بأداء العبادات ابتغاءً لمرضاة الله عز وجل، ومن هذه الصفات انه اذا رأى الناس اصبح نشيطاً واذا كان في حالة من الكسل تغلب على كسله امامهم، ويصبح يؤدي واجباته الشرعية بكل نشاط؛ كالصلاة وغيرها من الواجبات المفروضة عليه، ويتظاهر بها امامهم، اذا كان وحده خيم عليه الكسل ولا يؤدي الصلاة وغيرها من الواجبات المترتبة عليه وهذه الصفات او المميزات بينها لنا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، إذ أنَّه أنه قال: (ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده) [14]وهو نظير ما تحدّث الله سبحانه به عن المنافقين في قوله تعالى: (وَإذَا قَامُوا إلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاؤونَ النَّاس)[15]، ومن بعض صفات لمن يرائي في غير العبادات، إذ أنَّه إننا نراه يتعامل مع الناس بكل أدبب واخلاق عالية ويساعد الاخرين من الفقراء، ويكون كلامه معهم بمنتهى العاطفة والشفافية، لكنه يحمل في جوفه او في قلبه عكس ما يظهر، أي: انه يحمل في قلبه الداء الخطير(الرياء) ولا يريد بهذا فعله رضا الباري عز وجل، لكنه يريد ان يرائي به المخلوق، إذ أنَّه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لسان المرائي جميل وفي قلبه الداء الدخيل)[16].
فهذا الفعل الدنيء وهذه الصفات الذميمة التي تؤدي بفاعلها الى الهلاك ليس من اخلاق المؤمن الذي يريد بفعله الخير رضا الله تعالى وثواب الاخرة، ولكن هذه صفات المؤمن التي يريد الدنيا بفعله الخير، كما روي عن الإمام علي بن الحسين السجاد(عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام) إذ أنَّه انه قال: (المؤمن...،لا يفعل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء)[17].
وندعو الله ان يبعدنا عن الرياء وان يتقبل منا صالح الاعمال.
الهوامش:
[1]مستدرك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف الغطاء، ص167.
[2] غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد اللآمدي التميمي، ص154.
[3] الانفال: 47.
[4] لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، السيد محمد حسن اللنگرودي، ص52.
[5] جامع السعادات، ملة محمد مهدي النراقي، ج2، ص 500.
[6]المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الفيض الكاشاني،ج6، ص146.
[7] الجواهر السنية، الحر العاملي، ص164.
[8] المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الفيض الكاشاني، ج6، ص145.
[9]شرح العروة الوثقى - الطهارة (موسوعة الإمام الخوئي)، تقرير بحث السيد الخوئي للغروي، ج6.
[10] المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الفيض الكاشاني، ج6، ص146.
[11] منية المريد، الشهيد الثاني، ص318.
[12]مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج1، ص106.
[13] المصدر نفسه، ص107.
[14] مستمسك العروة، السيد محسن الحكيم، ج2، ص475.
[15]النساء: 142.
[16]عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص419.
[17]الأمالي، الشيخ الصدوق، ص582.