الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين: وبعد:
تعد ولادات الأئمة (عليهم السلام) من المناسابات العظيمة على محبيهم وأتباعهم وفي هذه الأيام تمرُّ علينا ولادة الإمام الحسن عليه السلام في شهر الله رمضان، في النصف منه، فقد شعَّ نوره حتى طغى على بدر السماء، وأفل القمر بمولد سيد شباب أهل الجنة، نعم إنه الإمام الحسن القمر الذي ولد في سماء البيت النبوي الشريف، فهو أول مولود للبيت المحمدي.
تلاقفته الأيدي المباركة يد رسول الله ويد والده ويد أمه (صلوات الله عليهم)، إذ سطع نور هذا المولود في أفق السماوات والأرض، لتبتهج الملائكة ويعم السرور في كل مكان، بمولد الروح والريحان، تفتحت أزهار الجنان.
كانت ولادته المباركة في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة وقيل السنة الثالثة للهجرةفي المدينة المنورة([1])، وقد بدأت بعدها مراسيم استقبال المولود المحمدي، إذ روي عن أسماء بنت عميس قالت: «قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا أسماء: هلمي إبني، فدفعته إليه في خرقة صفراء فألقاها عنه قائلا: ألم أعهد إليكن أن لا تلفّوا مولودًا بخرقة صفراء؟ فلففته بخرقة بيضاء فأخذه وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ثم قال لعلي: أي شيء سميت إبني؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك، فقال: ولا أنا أسابق ربي، فهبط جبرئيل عليه السّلام، فقال: يا محمّد إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، لكن لا نبي بعدك، فسم إبنك هذا باسم ولد هارون، فقال: ما كان اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ قال: شبر، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم ان لساني عربي، فقال: سمه الحسن، ففعل»([2]).
فأول ما نراه من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) هو النهي عن لف الالمولود بالخرقة الصفراء، ولا بد أن تكون بيضاء، ولعله من جانب دلالة اللون الأبيض على البشرى والفرح، ثم قام بعده بالأذان والإقامة في أذني المولود، وبعدها اختيار الاسم للمولود الذي كان اخنيارا إلهيًّا.
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اسم الحسن ((عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سمي الحسن حسنا لان احسان الله قامت السماوات والأرض ، والحسن مشتق من الاحسان ، وعلي والحسن إسمان مشتقان من أسماء الله تعالى ، والحسين تصغير الحسن))([3]).
كان (عليه السلام) أشبه الناس بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك: ((لم يكن في ولد علي أشبه برسول الله من الحسن))([4]). وروي أيضًا: ((كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي، وتقول: بأبي شبه النبي، ليس شبيها بعلي))([5]).
وتعرض الإمام الحسن (عليه السلام) في حياته إلى مواقف كثيرة منها توليه الخلافة بعد استشهاد أبيه، إذ خطب في الناس خطبة بيّن فيها منزلتهم وموقعهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله، فقال: ((" نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيبون الطاهرون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته، فقال: " إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي " . والتالي كتاب الله، فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعول علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه. فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة))([6]). وقال في موضع آخر: (( أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا))([7]).
وفي الختام هذه نبذة عن ولادة البحر الزاخر الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) وبعض من حياته المباركة التي حفلت بكثير من المواقف التي لا يمكن حصرها، نسأل الله جلّ اسمه أن يجعلنا مع إمامنا الحسن (عليه السلام) في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.
الهوامش:
[1] ينظر: دلائل الإمامة : 158- 159 ، الإرشاد، الشيخ المفيد : 2 : 5، إعلام الورى بأعلام الهدى : 205 ، ، مناقب آل أبي طالب 4 : 33، مرآة العقول 5 : 352
[2] ذخائر العقبى: 120.
[3] مائة منقبة، ابن شاذان : 21، مناقب آل أبي طالب: 3/ 166.
[4] المستدرك على الصحيحين: 3/ 168- 169.
[5] مسند أحمد بن حنبل: 6/ 283، تاريخ مدينة دمشق: 13/ 176.
[6] الأمالي، الشيخ المفيد: 349، الامالي، الشيخ الطوسي: 121.
[7] المعجم الأوسط، الطبراني: 2/ 336- 337، المستدرك على الصحيحين: 3/ 172، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: 370.