الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله واهب الكمال لأهل الكمال، والصلاة والسلام على المتسربل بسربال الجمال والجلال، المتخلق بأسمى الصفات والخصال، أبي القاسم محمد المصطفى، وعلى آله الدرر اللآل، واللعنة المؤبدة على أعدائهم الجهال والضلال.
وبعد...
فمن القواعد الأساسية التي منحها الله (عز وجل) لعباده المؤمنين لبناء حياةٍ سعيدةٍ ويزيد في عقلهم ومعرفتهم بالذات الإلهية هي (الحكمة)، ذلك أنِّي وجدت لها مفهومًا واسعًا من باب أنَّها من الصورة العلمية من حيث إحكامها وإتقانها، وهي المعرفة النافعة المتعلقة بالاعتقاد أو العمل[1]، وهي التي تقف بك على مر الحق الذي لا يخلطه باطل، والصدق الذي لا يشوبه كذب، ويقال حكم يحكم في الحكم بين الناس وحكم يحكم إذا صار حكيمًا والحكمة في الإنسان هي العلم الذي يمنع صاحبه من الجهل[2].
فالحكمة تعد الأساس في صياغة شخصية الإنسان؛ كونها تعرف الإنسان مراتب أفعاله من حيث الأفعال الحسنة القبيحة والافعال التي تؤدي إلى الصلاح والفساد؛ وعندما نبحث في كتاب الله العزيز نرى أن الله سبحانه وتعالى أعطى لهذ المرتبة أهمية خاصة حيث بصلاحها يرتفع الإنسان بأعلى المراتب، وبفسادها يكون فيها الشخص قد أضاع دنياه قبل آخرته؛ ففي قوله تعالى يبين حال لقمان الحكيم في إعطائه الحكمة: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[3]، وكذلك في الآية التي تبين ما أعطاه الله (عز وجل) لداوود (عليه السلام): (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)[4].
فما دامت الحكمة هي هبة من الله (عز وجل) للإنسان فمن أراد هذه الحكمة التي هي ضالة كل مؤمن وطلبة كل إنسان، فلا يمكنه أن ينالها إلا إذا تحصن بالأخلاق الحسنة وتهذيب النفس وتربية الروح وإدارة المجتمع، فمن البديهي مثل هكذا صفات وغيرها لابد أن يتحلى بها الإنسان المؤمن لكي تكون الحكمة ضالة له، وهذا ما نجده في كلمات أمير الحكمة الإمام علي (عليه السلام)، إذ انطبقت عليه كل معالم الحكمة الإلهية وشهد بها الأولين والاخرين، فمن كلام له وهو يبين أهمية الحكمة للمؤمن وما يرتبط بها من نتائج تؤدي إلى صلاح نفسه وصلاح المجتمع، يقول (عليه السلام): (الحكمة شجرة تنبت في القلب وتثمر على اللسان)[5].
فالحكمة لما لها من أهمية بالغة للإنسان من حيث أنها تؤدي إلى النظر ببصيرة نافذة في قضايا الناس وفي أخلاقهم، ومن يعطيه الله الحكمة فهو في أعلى مراتب الكمال، والحكمة تعد أهم مرتكز للإنسان، فهي شمس القلوب ونور الأبصار؛ فالشخص الذي لا يمتلك الحكمة في حياته يكون أعمى البصر والقلب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو ألقيت الحكمة على الجبال لقلقلتها)[6].
ونرى في بعض كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) يبين لنا بأن نأخذ الحكمة ولو كانت عند المنافق والكافر؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى عندما أعطاها لمثل هكذا أشخاص يعلم بأنَّها على ارتحال منهم، ولا تبقى في قلوبهم بوصفهم عميان لمثل هكذا جوهرة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحكمةُ ضالّة المؤمن، فَخُذِ الحكمةَ ولو مِن أهل النفاق)[7]، وقوله: (الحكمة ضالّة المؤمن، فَلْيَطلُبْها ولو في أيدي أهل الشرّ)[8]، وقوله: (الحكمة ضالّة المؤمن، فاطلُبْ ضالّتَك ولو في الشِّرْك)[9]، وقوله: (الحكمة ضالّة المؤمن، فَخُذوها ولو مِن أفواه المنافقين)[10].
وعليه نرى أن «الحكمة» هي من القرائن التي يعطيها الواهب المنان لِخُلص عباده للابتعاد من وساوس الشيطان، ويبعد أنفسهم عن الوقوع في مصائده وفخاخه، وتلك الحكمة التي لا يؤتيها الله لكل أحد؛ بل لمن يشاء ويختار من عباده، وتلك الحكمة التي من يؤتى منها قليلاً فقد أوتي خيراً كثيرًا والحمد لله ربِّ العالمين.
الهوامش:
[1] - تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي: 3/197.
[2] - ينظر: تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: 1/155.
[3] - سورة لقمان: الآية 12.
[4] - سورة ص: الآية 20.
[5] - ميزان الحكمة، الريشهري: 1/ 670.
[6] - ميزان الحكمة، الريشهري: 1/ 670.
[7] - نهج البلاغة: الحكمة 80.
[8] - تحف العقول: 201.
[9] - شرح مئة كلمة، ابن ميثم البحرانيّ: 81.
[10] - غرر الحكم 43.