أوَّلُ من أُلجِمَ في الإسلام

علي ومعاصروه

أوَّلُ من أُلجِمَ في الإسلام

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-08-2019

عمَّار حسن الخزاعي
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...

من العجائب في التاريخ الإسلامي أن يقطفَ ثمار حكم الإسلام ألدُّ أعدائه ضراوةً لأهله وأوِّلِ أنصاره، إذ ما تمضي سوى برهةٍ من الزمن حتَّى يتسلَّط بنو أمية على رقاب المسلمين، فيتزعَّمُ الإسلام أولاد أبي سفيان أشدُّ أعداء رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة والمدينة، المحارب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مدى أكثر من عقدين من الزمن، والأعجب خطبًا أن يُقتل أولاد الرسول وأهل بيته من لدن أولئك الأعداء، وليس هذا وكفى وإنَّما يُقتل أتباعهم ومحبِّيهم في كلِّ مكان .

ومن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) الذين تعقَّبتهم سلطات بني أميَّة ميثم التَّمار، وهو أحد أتباع أمير المؤمنين علي (عليهم السلام) وخواصِّه وأنصاره، تعهده أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ وقتٍ مبكِّر، إذ كان ((عبدًا لامرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين (عليه السلام) منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك ؟ قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّ اسمك الذي سمَّاك به أبواك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين، والله إنَّه لاسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سمَّاك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودع سالمًا فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم))([1]) . وهكذا تتنامى العلاقة بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وميثم التمار، ليكون فيما بعد من خيرة تلاميذه بما اختصَّه أمير المؤمنين (عليه السلام) من علومٍ شتَّى، ومنها بعض الأخبار الغيبية، ومن تلك الأخبار ما قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذاتِ يومٍ شارحًا له نهايته وختام حياته بقوله: ((إنَّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دمًا فيخضب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، وتصلب على باب دار عمرو ابن حريث عاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وامضِ حتَّى أريك النخلة التي تصلب على جذعها فأراه إيَّاها))([2])، وصار ميثم (رضوان الله عليه) يتعاهد تلك النخلة ((فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت ولي غذيت، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت وحتَّى عرف الموضع الذي يصلب عليها بالكوفة))([3])، وكان عندما يلتقي عمرو بن حريث يقول له: ((إنِّي مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يريد))([4])، أمَّا عن سبب كلِّ ذلك فهو الموالاة لعليٍّ (عليه السلام)، الذي كان يُشكِّل غُصَّةً لأولاد البغايا ومدَّعي الآباء وأهل النفاق، وقد أخبره أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك  قائلًا له: ((كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني؟ فقال يا أمير المؤمنين: أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذا والله يقتلك ويصلبك، قلت، أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم إذًا تكون معي في درجتي))([5]) .

وما أن قرُب الحين الذي أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ميثم (رضوان الله عليه) قرَّر أن يحجَّ بيت الله تعالى ويستعدَّ للوفادة عليه، وبعد أن أتمَّ الحجَّ دخل على أمِّ سلمة (رضوان الله عليها) ((فقالت: من أنت ؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربَّما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي بك عليًّا في جوف الليل، فسألها عن الحسين، قالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنِّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربِّ العالمين إن شاء الله . فدعت له بطيب فطيبت لحيته، وقالت له: أما إنَّها ستخضب بدم))([6]) . ويبدو أنَّ وقت الشهادة قد حان وتداركه الشوق لملاقاة أمير المؤمنين (عليه السلام) في عليِّن، فترك مكَّة وجدَّ في السير إلى الكوفة ليستقبله الدَّعي ابن الدَّعي عبيد الله بن زياد عليه وعلى أبيه لعائن الله تعالى، فيأخذه ليحقِّق معه عن جريمته في مولاة عدو أولاد البغايا فيبادره الدَّعيُّ بالسؤال: ((أين ربك؟ قال: بالمرصاد لكلِّ ظالمٍ وأنت أحد الظلمة، قال: إنَّك على عجمتك لتبلغ الذي تريد، ما أخبرك صاحبك إنِّي فاعل بك ؟ قال: أخبرني أنَّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنَّه، قال: كيف تخالفه ؟ فوالله ما أخبرني إلَّا عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء ! ؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أول خلق الله ألجم في الإسلام، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد، فقال ميثم التمار للمختار: إنَّك تقلت وتخرج ثائرًا بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا، فلما دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله فخلاه ، وأمر بميثم أن يصلب، فأخرج فقال له رجل لقيه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ! فتبسم وقال وهو يومئ إلى النخلة: لها خلقت ولي غذيت، فلمَّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول: إنِّي مجاورك. فلمَّا صلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فكان أول خلق الله ألجم في الاسلام))([7]) . وفي روايةٍ أُخرى أنَّ ابن زياد قال لميثمٍ (رضوان الله عليه): ((لأقتلنك قتلة ما قتل أحد مثلها في الإسلام قال: فقلت: والله لقد أخبرني مولاي أن يقتلني العتل الزنيم فيقطع يدي ورجلي ولساني ثم يصلبني، قال: فقال: وما العتل الزنيم فإني أجده في كتاب الله ؟ قال: قلت: أخبرني مولاي أنَّه ابن المرأة الفاجرة، قال: فقال: والله لأكذبنك ولأكذبن مولاك، فقال لصاحب حرسه: أخرجه فاقطع يديه ورجليه ودع لسانه حتى يعلم أنَّه كذاب مولى الكذاب، قال: فأخرجه ففعل ذلك به، قال صالح: فأتيت أبي متشحطا بدمه ثم استوى جالسًا فنادى بأعلى صوته من أراد الحديث المكتوم عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) فليستمع، فاجتمع الناس فأقبل يحدثهم بالعجائب قال: وخرج الأشقى على نعته ذلك فلما رأى الناس حوله يكتبون رجع إلى ابن زياد فقال: أصلح الله الأمير تركت أخبث شيء منه، قال: وما هو ؟ قال: لسانه إنه ليحدث بالعجب، قال: فبادروه فاقطعوا لسانه، قال: فبادر الحرسي فقال: أخرج لسانك قال: فقال ميثم: ألا زعم ابن الفاجرة أنه يكذبني ويكذب مولاي فأخرج لسانه فقطعه))([8]) .
وهكذا يمضي ميثم (رضوان الله عليه) شهيدًا متشحطًا بدمه ليكون مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في درجته في الجنة . فرحم الله ميثم وجعلنا ممَّن يقتفي أثره في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدنيا والآخرة إنَّه حميدٌ مجيد .
الهوامش:
([1]) الإرشاد، الشيخ المفيد: 1/323 ، الإصابة في تمييز الصحابة: 6/249 .
([2]) تاريخ الكوفة: 337 .
([3])الإصابة في تمييز الصحابة: 6/250 .
([4]) الغارات: 2/796 .
([5]) وسائل الشيعة: 16/227 .
([6]) الإصابة في تمييز الصحابة: 6/250 ، الوافي: 5/692 .
([7]) الإرشاد، الشيخ المفيد: 1/324 – 325 ، بحار الأنوار: 41/345 ، الأعلام: 7/336 .
([8]) الاختصاص: 76 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2293 Seconds