يتضمن هذا المقال أثر الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري في الواقع الإسلامي بوصفه من الأنصار السابقين في مرحلة التأسيس، وذي سيف حادٍّ على الكفار، لذا سنذكر- باختصار- أهم مواقفه النبيلة التي احتفلت بها كتب التاريخ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستمراره في ولائه مع وصيه أمير المؤمنين علي عليه السلام.
أولاً: نسبه:
ولد سهل بن حنيف في يثرب، و مصادر التاريخ كحالها مع كثير ممن دونت لهم لم تقف على سنة ولادته، إذ باشرت سيرته على كبر، وهذا منطقي لا تُأخذ عليه؛ لأنّها – كتب السيرة- تذكر الأحداث المهمة في التاريخ، وما واكبها من شخصيات صنعت تلك الأحداث ومن ساندهم على نجاحها وكمالها، بغض النظر عن ماهية تلك الأحداث وما تصحبها من أمور إيجابية للمجتمع أو سلبية، وطبيعة التاريخ يُدوِّن الأحداث والمواقف العامة ليقدم عبر ومواعظ جاهزة استغرقت أعمار أجيال لنضجها.
وسهل بن حنيف وافقه الحظ أن يحظى بمواقف مشرفة رفعت ذكره مع الطيبين، وخط اسمه في التاريخ عبرة للوفاء، ومصداق للطاعة، حتى استوى سهلا، وبذلك اتجهت الأقلام لتتبع محطات حياته بصورة عرضية مع طيات الأحداث التي شهدها، فارتسمت للأفق سيرته العطرة، فإذا كانت كتب التاريخ لم تنتبه لولادته، فقد عوضت ذلك بالتدقيق على وفاته؛ إذ شهدت مراسيم خاصة يتطلع أن ينالها كل مسلم على مرّ الأجيال، وإذ ذاك فلابد من تقديم بطاقة تعريفية لهذه الشخصية الفذة:
سهل بن حنيف (ت: 38 هـ - 658م) وهو: سهل بن حنيف بن وهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمر بن خناس ويقال ابن خنساء بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك الأوسي الأنصاري، أبو سعيد، أو أبو سعد، أو أبو عبد، وكنيته أبو سعيد([1]).
عرفت عائلته بالجهاد والتضحية خدمة للدين فأخيه عثمان بن حنيف الأنصاري، قضى عمره بالجهاد وملازمة أولي الأمر الذين فرض الله سبحانه طاعتهم، وسيرته نار على علم، إذ (( كَانَ سهل وَعُثْمَان من فضلاء الْأَنْصَار وصالحيهم))([2]) وله أخ آخر هو عباد بن حنيف([3]).
ثانيا: أولاده:
أما أولاده فهم: أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري واسمه أسعد بن سهل بن حنيف ولد في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله) قبل وفاته بعامين، وقد سماه النبي( صلى الله عليه وآله) بهذا الاسم على اسم أسعد بن زرارة(*) الصحابي الجليل([4])، وأمه (حبيبة) بنت أسعد بن زرارة([5])، فسمى باسم جده،- والد أمه- أسعد بن زرارة. كان من رواة الحديث، وأحاديثه كثيرة توازعتها كتب التفسير والفقه والعقائد، وهي تحمل معالجات جذرية لحياة المسلمين، و وصفه ابن سعد: بأنه ثقة كثير الحديث([6])، (( وَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ الْأَمْصَارِ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَبْنَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا))([7])، توفى سنة( 74 ه ) يوم الجمعة ودفن بالبقيع، وهو ممّن له عقب من الصحابة، وكان يحفي شاربه ويصفر لحيته([8])، ((وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ))([9]).
ومن أولاده أيضا عثمان بن سهل بن حنيف، ثقة من رواة الحديث([10])، وأمه أحدى النسوة الاتي بايعْنَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة الثانية([11])، ويذكر الطبري في تفسيره عبد الرحمن بن سهل بن حنيف في اسناد بعض الأحاديث عنه مروية عن أبيه سهل([12])، وعبد الله بن سهل أمه إحدى نساء بنِي أمية بن زيد من أوس الله، كانت عند ثابت بن الدحداحة، ففرّت منه، وهو يومئذ كافر إلى رسول الله( صلى الله عليه وآله)، فزوّجها رسول الله ( صلى الله عليه وآله) سهل بن حنيف، فولدت له عبد الله([13]).
ثالثا: أهم محطات حياته:
وقد دلت المصادر التاريخية أن سهل بن حنيف وهو الصحابي الجليل الذي حضر بيعة العقبة، وشارك في غزوة بدر وأحد، كما أنّه كان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومات في زمنه، فكفّنه وصلّى عليه، كما كان من شرطة الخميس. وكان سهل بن حنيف أحد الرماة الأبطال، بايع رسول (الله صلى الله عليه وسلم) على الموت، ثم قام بدور فعال في رد المشركين([14])، واستمر في جهاده مع الرسول صلى الله عليه وآله حتى فتح مكة([15])، وقد روي عنه أنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر أن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه([16])، ولا تقف مناقب سهل بن حنيف الأنصاري عند تقلده السيف ومجاهدة الكفار، بل نرى له مواقفا كان فيها لسانه لا يقل حدة عن سيفه في نصرة الحق ومساندة أهله، ومن تلك المواقف روايته لحديث الغدير في كل محفل يقتضي ذكره، عملا منه على إشاعة الحق والحيلولة من دون اندراسه، فكان جهده مدخورا لكل موقف يتطلب منه نصرة أمير المؤمنين(عليه السلام) جريا على طريق الحق، وعملا بما أوصى به الرسول الكريم( صلى الله عليه وآله) وتأكيده على نصرة أمير المؤمنين(عليه السلام) ؛ لأن في نصرته نصرة الدين، إذ الحق معه يدور أين ما دار ومن تلك المواقف اعتراضه على أبي بكر إذ فقام سهل بن حنيف في ذلك الجمع والمسجد يموج بالمسلمين وقد علا رؤوس المنافقين الضلال، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) فصلى عليه، ثم قال: ((يا معاشر قريش اشهدوا علي أني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأيته في هذا المكان، وهو يقول: أيها الناس هذا امامكم بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي، وقاضي ديني ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله))([17]).
وسهل بن حنيف بدري شهد الجمل وصفين([18]) ، وكان سهل بن حنيف الأنصاري من أحب الناس للإمام (عليه السلام)، ولذلك نجده معه في كل محنه يشاركه المصيبة ويصبر لنصرته لما يرى في نصرته نصرة للدين، ولطالما أشاد الإمام (عليه السلام) بمواقفه النبيلة التي خدم الاسلام فيها رغم ما يكتنف مآزرة الحق من ثمن فنجد الإمام (عليه السلام) يقول: ((لو أحبني جبل لتهافت))([19])، وقد وفقنا الله سبحانه لتخصيص ترجمة كاملة له بعنوان( سهل بن حنيف فدائي النبي وناصر الوصي) في مؤسسة علوم نهج البلاغة.
الهوامش:
([1]) ينظر: المعرفة والتاريخ، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، أبو يوسف (المتوفى: 277هـ)، تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1401 هـ- 1981م: 1/ 337.، وأعيان الشيعة، السيد محسن الأمين ( 1371ه)، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت- لبنان،(د.ط)، ( د.ت): 11/ 320، والأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396هـ)، دار العلم للملايين، ط15، 2002 م: 3/ 142، وموسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية، أبو سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة - مصر، النبلاء للكتاب، مراكش – المغرب، ط1: 1/ 164.
([2]) الدرر في اختصار المغازي والسير، النمري، الحافظ يوسف بن البر، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط2، 1403 هـ: 93.
([3]) ينظر: مسند أحمد بن حنبل،، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ات: 241هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، مؤسسة الرسالة، 1421 هـ - 2001 م: 1/ 321.
(*) أسعد بن زُرَارَة (000 - 1 هـ = 000 - 622 م): هو أسعد بن زرارة بن عدس النجاري، من الخزرج: أحد الشجعان الأشراف في الجاهلية والإسلام، من سكان المدينة. قدم مكة في عصر النبوة ومعه ذكوان بن عبد قيس فأسلما وعادا إلى المدينة، فكانا أول من قدمها بالإسلام. وهو أحد النقباء الاثني عشر، كان نقيب بني النجار. ومات قبل بدر فدفن في البقيع. ينظر: الأعلام للزركلي: 1/ 300.
([4]) ينظر: غاية الأماني في الرد على النبهاني، أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفى: 1342هـ)، أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي، مكتبة الرشد، الرياض ــ المملكة العربية السعودية، ط1، 1422هـ- 2001م: 1/ 252. وأسعد بن زرارة: هو أسعد بن زرارة بن عدس النجاري، من الخزرج: أحد الشجعان الأشراف في الجاهلية والإسلام، من سكان المدينة. قدم مكة في عصر النبوة ومعه ذكوان بن عبد قيس فأسلما وعادا إلى المدينة، فكانا أول من قدمها بالإسلام. وهو أحد النقباء الاثني عشر، كان نقيب بني النجار. ومات قبل بدر فدفن في البقيع. ينظر: الأعلام للزركلي: 300.
([5]) ينظر: المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (المتوفى: 245هـ)، تحقيق: إيلزة ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، (د. ط)، (د. ت): 431.
([6]) ينظر: المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط2، 1992 م: 291، و تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1422 هـ - 2001 م: 8 / 105. هامش المؤلف.
([7]) الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، 1421 – 2000م:3/ 41.
([8]) ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ)، دار الفكر – بيروت، (د. ط)،1409هـ - 1989م: 2/ 289، والحديث النبوي بين الرواية والدراية، الشيخ السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، اعتماد – قم، ط1، 1419هـ: 508.
([9]) الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، ط1، 1417هـ - 1997م: 4/ 110.
([10]) ينظر: شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة، أبو الأشبال حسن الزهيري آل مندوه المنصوري المصري، (د. ط)، (د. ت): 24/ 7.
([11]) ينظر: المحبر: 406.
([12]) ينظر: تفسير الطبري: 18/ 6.
([13]) ينظر: تفسير الطبري: 23/ 332- 333.
([14]) ينظر: السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني : 352.
[15])) شرح صحيح البخارى لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفى: 449هـ)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، ط2، 1423هـ - 2003م: 3/ 315.
([16]) ينظر: المعجم الكبير، للطبراني(ت: 360هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد، دار احياء التراث العربي، (د. ط)، 1405هـ - 1985م: 6/ 74.
([17]) كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي(ت: 1098هـ)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مطبعة أمير، نشر المحقق، ط1، 1418هـ : 241.
([18]) المجموع اللفيف: 1/ 494- 495.
[19])) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 488.