الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبعد
امتحن الله سبحانه قلوب المؤمنين بالصبر على المصائب والنوائب التي تحل بهم، ومدى قدرتهم على تحمل تلك المصائب، حتى قال في محكم كتابه: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)([1])، فقد جعل الله سبحانه صلواته على أولئك الصابرين على المصائب التي تصيبهم، وبَيَّن أنهم هم المهتدون لهدايته.
وخير من مثل ذلك الصبر هم أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) فقد توالت عليهم المصائب، وأُولاها مصيبة فقد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي لا تدانيها مصيبة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف تلك المصيبة: (إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ فإِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ)([2]). أي أن كل مصيبة تمر بي - إذا ما قارنتها بمصيبة فقدك يا رسول الله – تهون.
ولكن أي مصيبة تلك التي جعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ينوح ويأن لها ويبكي بكاءً شديدا؟
روي عن عمار بن ياسر (رضوان الله عليه) أنه قال: (مضيت الى دار سيدي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستأذنت الدخول عليه ؟ فأذن لي .. فدخلت عليه فوجدته جالسا جلسة الحزين الكئيب والحسن (عليه السلام) عن يمينه والحسين (عليه السلام) عن شماله وهو تارة يلتفت الى الحسن وتارة الى الحسين ويبكي، فلما نظرت الى حاله وحال ولده، لم أملك نفسي دون أن أخذتني العبرة وبكيت بكاءً شديدا، فلما سكن نشيجي قلت: سيدي! أتأذن لي بالكلام؟ قال: "تكلم يا أبا اليقظان"، قلت سيدي! إنكم تأمرون بالصبر على المصيبة، فما هذا الحزن الطويل؟ وإن شيعتك لا يقر لهم قرار باحتجابك عنهم، وقد شق ذلك عليهم.
قال: فالتفت الي، وقال: يا عمار! إن العزاء عن مثل من فقدته لعزيز، إني فقدت رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) بفقد فاطمة (عليها السلام)، إنها كانت لي عزاء وسلوة، وكانت إذا نطقت ملأت سمعي بصوت الرسول ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ)، واذا مشت لم تخرم مشيته، وأني ما أحسست تألم الفراق إلا بفراقها ، وإن أعظم ما لقيت من مصيبتها .. أني لما وضعتها على المغتسل وجدت ضلعا من أضلاعها مكسورا، وجنبها قد اسودَّ من ضرب السياط ... وكانت تخفي ذلك علي مخافة أن يشتد حزني، وما نظرت عيناي الى الحسن والحسين إلا وخنقتني العبرة، وما نظرت الى زينب باكية إلا وأخذتني الرقة عليها)([3]).
فكانت مولاتنا الزهراء (عليه السلام) سلوة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد كان يرى فيها رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) في حديثها ومشيتها وغيرها، وما آلم قلب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) هو ما كان مخفيا عليه من آثار الجريمة التي تعرضت لها مولاتنا من كسر الضلع وضرب السياط من العصابة التي هجمت على دارها، لئلا يحزن علي ما أصابها.
فسلام عليك يا مولاتنا يوم ولدتِ ويوم استشهدتِ ويوم تبعثين حيةً كريمة، نسأل الله بالشأن الذي لكِ عنده وبالمحل الذي لكِ لديه، أن يرزقنا شفاعتك يوم الورود، إنه سميع مجيب.
الهوامش:
([1]) سورة البقرة: 156-157.
([2]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 320.
([3]) الأنوار العلوية، النقدي: 306- 307.