ولادة هدمت مجرى الانحرافات الفكرية

مقالات وبحوث

ولادة هدمت مجرى الانحرافات الفكرية

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-02-2020

الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي جعل من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوصي الباقر، والإمام الطاهر، والعلم الظاهر، محمد بن علي أبي جعفر الباقر (عليهم السلام)، اللهم صلِ على وليك الصادع بالحق، والناطق بالصدق، الذي بقر العلم بقرا وبينه سرا وجهرا، وقضى بالحق الذي كان عليه، وأدى الأمانة التي صارت إليه وأمر بطاعتك، ونهى عن معصيتك، اللّهم فكما جعلته نورا يستضئ به المؤمنون وفضلا يقتدي به المتقون، صلِ عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين أفضل الصلاة والسلام[1].
من النعم الإلهية التي أنعم الله (عز وجل) بها على المؤمنين أنه جعل لهم أئمة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستضاء بنورهم وينجي المؤمن بشفاعتهم وولايتهم ومن هذه الأنوار الإلهية التي تنورت الأكوان بولادته وبطلته البهية هو الإمام الباقر (عليه السّلام) محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني، وكان سيد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر من قولهم: بقر العلم، يعني: شقّه، فعلم أصله وخفيه[2]، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي (عليهم السلام)[3].
فعن أبي محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام) قال: (ولد أبو جعفر محمد الباقر بالمدينة يوم الجمعة غرة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة)[4]، وكان محمد ابنه – أي ابن الإمام زين العابدين - (عليهم السلام) وريثه في إمامة العلم، ونيل الهداية ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية، وما زار أحد المدينة إلاّ عرّج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه[5].
كان الباقر (عليه السلام) خليفة أبيه من بين إخوته ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعته بالفضل وفي العلم والزهد والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأكملهم فضلاً وأعظمهم نبلاً[6].
يتختم (عليه السلام) بخاتم جده الحسين (عليه السلام)، ونقشه: إن الله بالغ أمره، وروي في وصف علمه (عليه السلام) عن عبد الله بن عطاء المكي، قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه، وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي (عليهم السلام) شيئا يقول: حدثني وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين (صلوات الله عليهم)[7].
قال الشيخ المفيد: ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) من علم الدين والآثار والسنة، وعلم القرآن والسيرة، وفنون الأدب ما ظهر عن أبي جعفر (عليه السلام)، حيث روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، وصار  الفضل علما لأهله تضرب به الأمثال، وتسير بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القرطبي:                                 يا باقر العلم لأهل التقى **** وخير من لبّى على الأجيل[8].
وعن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له لم سمي الباقر باقرا؟ قال: لأنه بقر العلم بقرا - أي شقه شقا واظهره إظهارا ولقد حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا جابر إنك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر فإذا لقيته فاقرأه منى السلام، فلقيه جابر بن عبد الله الأنصاري في بعض سكك المدينة فقال له يا غلام من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال له جابر: يا بني اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فأدبر، فقال: شمائل رسول الله ورب الكعبة، ثم قال: يا بنى رسول الله يقرؤك السلام فقال على رسول الله (صلى الله عليه وآله السلام) ما دامت السماوات والأرض وعليك يا جابر بما بلغت السلام فقال له جابر: يا باقر أنت الباقر حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه وربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيرد عليه ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله وكان يقول يا باقر يا باقر يا باقر أشهد بالله إنك قد أوتيت الحكم صبيا[9].
عاش الإمام الباقر (عليه السّلام) في مطلع صباه، المحنة الكبرى التي مرّت على أهل البيت في كربلاء، وقتل فيها جده الإمام الحسين (عليه السّلام)، فاتجه الإمام في ذلك الجو المشحون بالظلم إلى الدفاع عن مبادئ الإسلام، ونشر تعاليمه، فالتفّ حول الإمام الآلاف من العلماء، وطلاب العلم لدراسة الفقه، وقيل: شاء الله لمذهب أهل البيت وفقههم، فقه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الذي أخذه عن الرسول بلا واسطة، أن ينسبا إلى حفيده جعفر بن محمد الصادق، الذي اشترك مع أبيه في تأسيسها، واستقل بها بعد وفاته، لا لَانّ له رأياً في أُصول المذهب أو فقهه، يختلف فيهما عن آبائه وأحفاده، وهو القائل: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول الله) وحديث رسول الله هو قول الله، لا لذلك، بل لأنه وأباه تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما، واستطاعا في تلك الفترة القصيرة المشحونة بالأحداث التي كانت كلَّها لصالحهما، أن يملآ شرق الأرض وغربها، بآثار أهل البيت وفقههم، ويحقّقا ما لم يتيسر تحقّقه لمن سبقهما، ومن جاء بعدهما، لذلك نُسبا إلى الإمام الصادق، كما يبدو ذلك لكل من تتبع آراء أهل البيت في فقههم ومعتقداتهم[10].
فهذه اطلالة وجيزة عن حياة الإمام الخامس من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (عليهم السلام) الذي تشرفت الأكوان بولادته وتغيرت معالم الحياة الفكرية بعدما كانت تعيش في فترة من الانحرافات التي أثرت على طبيعة الإنسان آنذاك حيث رسخ الإمام الباقر (عليه السلام) قواعد الدين الإسلامي، فسلام على باقر علم الأولين والآخرين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الهوامش
[1] ينظر: زيارة أئمة البقيع (عليهم السلام)
[2] ينظر: شرح إحقاق الحق، المرعشي: 28/226.
[3] الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، البري: 51.
[4] دلائل الإمامة، أبو جعفر الطبري: 90.
[5] الإمام الصادق (عليه السلام)، محمد أبو زهرة: 22.
[6] ينظر: الإرشاد، المفيد: 2/157.
[7] الإرشاد، المفيد: 263.
[8] المصدر نفسه: 261.
[9] علل الشرائع، الشيخ الصدوق: 1-232-233.
[10] ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: 1/262-263.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3383 Seconds