البَاحِث: سَلَام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِي
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللعن الدَّائِم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
وبعد...
إنَّ من الأشهر المباركة في السَّنة الهجريَّة، هو (شهر شعبان)، ففي هذا الشَّهر العظيم، تنبلج أقمارًا مُحَمَّديّة علويَّة، يتنوَّر بها الطَّرِيق، تكون سلسلة متصلة بالأقمار التي سبقتها، ومن هذه الأقمار: الإمام سيد السَّاجِدِين وزين العابدين عَلِيّ بن الإمام الحُسَين (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام).
حياته (عليه السَّلَام) الاجتماعيَّة:
اسمه ونسبه:
اسمه (عليه السَّلَام): عَلِيّ بن الحُسَين بن عَلِيّ بن –عبد مناف- أبي طالب (عليهم السَّلَام)، بن عبد المُطّلب بن هاشم بن عبد مناف[1].
أمّه (رضوان الله عليها):
وأمَّا أمه (عليه السَّلَام) شاه زنان بنت شروية ابن كسرى يزدجرد[2]، فكان زواج الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) منها بعد أن جاء بها المسلمون من بلاد فارس، وللتفصيل عن ذلك ما روي عن أبي جَعْفَرْ مُحَمَّد بن عَلِيّ الباقِر (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) قال: (لما قدموا ببنت يزدجرد بنت شهريار - آخر ملوك الفرس وخاتمهم - على عمر وأدخلت المدينة، استشرفت لها عذارى المدينة، وأشرق المجلس بضوء وجهها، ورأت عمر فقالت: أفيروزان، فغضب عمر فقال: شتمتني هذه العلجة وهم بها.
فقال له عَلِيّ (عليه السَّلَام): ليس لك إنكار ما لا تعلمه، فأمر أن ينادى عليها، فقال أمير المؤمنين (عليه السَّلَام): لا يجوز بيع بنات الملوك، وإن كانوا كافرين، ولكن أعرض عليها أن تختار رجلًا من المسلمين حتَّى تزوج منه، ويحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال، يقوم مقام الثمن، فقال عمر: أفعل، وعرض عليها أن تختار. فجاءت فوضعت يدها على منكب الحُسَين (عليه السَّلَام)، ... ثم التفت إلى الحُسَين (عليه السَّلَام) فقال له: احتفظ بها، وأحسن إليها، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك، وهي أم الأوصياء، الذرية الطيبة. فولدت عَلِيّ بن الحُسَين زين العابدين (عليه السَّلَام))[3]، وكانت هذه (رضوان الله تعالى عليه) امرأة جليلة ورعة مؤمنة، من خير النساء، ومن خير زوجات الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، فكان الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) وإيَّاها خير أبوين للإمام السَّجَّاد (صلوات الله تعالى وسلامه عليه).
رؤية أمّه (عليه السَّلَام) شاه زنان في المنام وتحقيقها:
ولها قصة عجيبة وهي أنها قالت: (رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا، كأن مُحَمَّدًا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) دخل دارنا، وقعد، ومعه [الإمام] الحُسَين (عليه السَّلَام)، وخطبني له وزوجني أبي منه، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي، وما كان لي خاطب غير هذا، فلما كان في الليلة الثانية رأيت [السَّيِّدة الصِّدِّيقة الطَّاهِرَة] فَاطِمَة [الزَّهرَاء] بنت [النَّبيّ] مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وعليها)، وقد أتتني وعرضت علي الاسلام وأسلمت، ثم قالت [(عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)]: ((إنَّ الغلبة تكون للمسلمين، وإنّك تصلين عن قريب إلى ابني الحُسَين (عليه السَّلَام) سالمة، لا يصيبك بسوءٍ أحد))، قالت: وكان من الحال أن أخرجت إلى المدينة)[4].
ويروى: (أنها ماتت في نفاسها به، وإنّما اختارت الحُسَين (عليه السَّلَام) لأنَّها رأت السَّيِّدة الصِّدِّيقة الطَّاهِرَة فَاطِمَة الزَّهرَاء بنت رسول الله مُحَمَّد (صلَّى الله عليهما) في النوم، وأسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين)[5].
مولده (عليه السَّلَام) المبارك:
وُلِد (عليه السَّلَام) بالمدينة يوم الخامس شعبان، سنة ثلاث وثلثين من الهجرة[6]، وكان (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) يُكَنَّى: بأبي الحسن، وأبي محمد، وأبي القاسم[7].
ألقابه (عليه السَّلَام) وصفاته:
من ألقابه (عليه السَّلَام): زين العابدين، وإمام المتقين، سيِّد العابدين، وزين الصَّالحين، ووارث علم النَّبيِّين، ووصيّ الوصيِّين، وخازن وصايا المرسلين، وإمام المؤمنين، ومنار القانطين، والخاشع، والمتهجد، والزَّاهد، والعابد، والعدل، والبكاء، والسَّجَّاد، وذو الثفنات، وإمام الأُمَّة، وأبو الأَئِمَّة[8].
أمَّا صفاته (عليه السَّلَام): كان الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام) مؤمنًا صادِقًا ورعًا خشوعًا زاهدًا صابرًا، كثير الصَّلَاة والسّجوُد والعبادة والدّعاء، حتى أنَّه لُقِب بـ(السَّجاد) و بـ(زين العابدين)، لكُثرة عبادته وسجوده، روي عن الصَّادِق جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبيه (عليهم السَّلَام)، قال: (قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي عَلِيّ بن الحُسَين بن عَلِيّ بن أبي طالب يخطر بين الصّفوف)[9].
وكان (عليه السَّلَام) إذا توضأ للصَّلاة يصفر لونه، فيقول له أهله: ما هو الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول (عليه السَّلَام): ((أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ وكان إذا قام إلى الصَّلَاة أخذته الرّعدة، فيقول لمن يسأله: أريد أن أقوم بين يدي ربي وأناجيه)). ووقع الحريق والنَّار في البيت الذي هو فيه، وكان ساجدًا في صلاته، فجعلوا يقولون: يا بن رسول الله! يا بن رسول الله! النَّار النَّار، فما رفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ فقال (عليه السَّلَام): ((نار الآخرة)).
وعن زرارة بن أعين قال: (سمع سائل في جوف الليل، وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا الرَّاغبُون في الآخرة، فهتف هاتف من ناحية من البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه: ذاك علي بن الحُسَين (عليه السَّلَام))[10].
وفي الختام: ما هذا إلا الشَّيء اليسير عن سيِّدي ومولاي الإمام زين العابدين عَلِيّ بن الإمام الحُسَين السَّجَّاد (عليه وآبائه وأجداده أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، ومبارك لمحبّي النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد الطَّيِّبين الطَّاهِرِين (صلَّى الله عليه وآله) وشيعتهم..
الهوامش:
[1] المقنَّعة، الشَّيخ المُفِيد: 472.
[2] يُنظر: الإرشاد، الشَّيخ المُفِيد: 2/135، وجواهر الكلام، الشيخ الجواهري: 20/88.
[3] الخرائج والجرائح، قطب الدِّين الرَّوندي: 2/750-751.
[4] المصدر نفسه: 2/751.
[5] المصدر نفسه: 2/751.
[6] يُنظر: منتهى المطلب، العلَّامة الحلِّيّ: 2/893، رسائل آل طوق القطيفي، أحمد بن الشِّيخ صالح آل طوق القطيفي: 4/80.
[7] المقنَّعة، الشَّيخ المُفِيد: 472.
[8] منهاج الصَّالِحِين، الشَّيخ وَحِيد الخراساني: 1/368.
[9] الأمالي، الشَّيخ الصَّدُوق: 410.
[10] منهاج الصالحين، الشيخ وحيد الخراساني: 1/369-370.