اصبري... تلدين مثله

مقالات وبحوث

اصبري... تلدين مثله

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-02-2021

الباحث: محمد حمزة الخفاجي

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ، وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا لاَحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ، وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَفْقُودِ اَلْإِنْعَامِ وَلاَ مكافئ اَلْإِفْضَالِ..

 أَمَّا بَعْدُ...

حينما ولد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بشر أبو طالب فاطمة بنت أسد  (عليه وعليها السلام) بمولد الوصي، وذلك قبل ولادته بثلاثين سنة هذا ما رواه الكافي  في باب مولده (عليه السلام)، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (عليه السلام): (إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ جَاءَتْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ لِتُبَشِّرَه بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ اصْبِرِي سَبْتاً أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِه إِلَّا النُّبُوَّةَ، وقَالَ: السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، وكَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله)، وأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ثَلَاثُونَ سَنَةً)[1].

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف علم أبو طالب بمولد الوصي ومن أخبره بذلك؟

وفي الإجابة على ما تقدَّم نقول: إنَّ الله تعالى خلق هذا الكون وجعل له سُبل الهداية إلى الكمالات العليا، ثمَّ شخَّص له من ينقل تعاليمه إلى أفراد خلقه، فكانوا الأنبياء والأوصياء، وكلَّما جاء نبيٌّ بشَّر بمن بعده، وهكذا سبيل الأوصياء، إلى أن وصل الدور إلى أجداد النبي فكانوا على ملَّة إبراهيم (عليه السلام) يعبدون الله تعالى، ويعلمون أنَّ في ذرِّيتهم النبوة والإمامة، فكانوا يتناقلونها كابرًا عن كابر، ولمَّا حان ميلاد النبي الأكرم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) كان علامة على ولادة وصيِّه ‘لي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يكن أبو طالب بمعزلٍ عن هذه البُشارات، فهو الزعيم في عصره، والقائم بديانة إبراهيم (عليه السلام) في وقته، ولذلك لا عجب في أن يعلم موعد بزوغ عصر النبوة والإمامة .  ومن الروايات الأخرى التي نقلت بُشارات أبي طالبٍ (عليه السلام) بولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) ما جاء عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ: (لَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) فُتِحَ لآِمِنَةَ بَيَاضُ فَارِسَ وقُصُورُ الشَّامِ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً فَأَعْلَمَتْه مَا قَالَتْ آمِنَةُ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَالِبٍ: وتَتَعَجَّبِينَ مِنْ هَذَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وتَلِدِينَ بِوَصِيِّه ووَزِيرِه)[2].

اعتقادنا بأبي طالب أنه ولي من أولياء الله، وأن أشعاره ودفاعه عن النبي أقوى دليل على ما نقول، وهذه الروايات وغيرها الواردة عن الحجج كافية في بيان منزلته ومكانته عند الله والمعصومين، وأن معرفته بالنبي والوصي وإخباره عنهم من أوضح الأدلة على أنَّه ليس ببشر اعتيادي؛ بل هو سيد جليل وولي كريم أكرمه الله بهذه الكرامة؛ إذ شرَّفه بكفالة النبي وجعل في صلبه الوصي، وقد نقل العلامة المجلسي رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري حول قضية المثرم وملاقاته بأبي طالب، وذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله): (يا جابر قبل أن يقع علي في بطن أمه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال له المثرم بن دعيب بن الشيقتام، وكان مذكورا في العبادة، قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأل ربه أن يريه وليًّا له، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه، فلما أن بصر به المثرم قام إليه فقبل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: رجل من تهامة، فقال: من أي تهامة؟ قال: من مكة، قال ممن؟ قال من عبد مناف، قال: من أي عبد مناف؟ قال: من بني هاشم، فوثب إليه الراهب وقبل رأسه ثانيًا وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال أبشر يا هذا فإن العلي الأعلى قد ألهمني إلهامًا فيه بشارتك، قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالى ذكره، وهو إمام المتقين ووصي رسول ربِّ العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فاقرأه مني السلام، وقل له: إن المثرم يقرأ عليك السلام، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك وصيه حقًّا، بمحمد يتم النبوة وبك يتم الوصية...)[3].

فكان أبو طالب مبشَّرًا بولادة الوصي قبل ان يولد، ولمَّا بدأت علائم الخير تظهر للناس حتى أن قريش علموا أنَّ هنالك حدث عظيم، وبدأ الناس يسألون أبا طالب عن سبب اشراقة السماء وظهور المعاجز والبراهين في هذه الليلة فقال لهم: (أبشروا فقد ظهر في هذه الليلة ولي من أولياء الله يكمل الله فيه خصال الخير، ويختم به الوصيين، وهو إمام المتقين، وناصر الدين، وقامع المشركين وغيظ المنافقين، وزين العابدين، ووصي رسول ربِّ العالمين، إمام هدى، ونجم على، ومصباح دجى، ومبيد الشرك والشبهات، وهو نفس اليقين ورأس الدين...)[4].

والرواية طويلة؛ إذ بين فيها النبي لجابر كيف ولد الوصي، وكيف انشق جدار الكعبة لفاطمة بنت أسد، وغير ذلك من المشاهد التي رأتها في جوف الكعبة، كحضور آسيا وحواء ومريم وأم موسى، فكل هذه من كرامات هذا المولود العظيم. نسأل الله أن يرزقنا زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.

الهوامش:


[1] - الكافي: 1 / 452، ح1.

[2] - الكافي: 1 / 454، ح3.

[3] - ينظر بحار الأنوار: 35 / 11 .

[4] - بحار الأنوار: 35 / 12 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3124 Seconds