حزن النبي (صلى الله عليه وآله) على خديجة (عليها السلام) حتى خُشي عليه.

مقالات وبحوث

حزن النبي (صلى الله عليه وآله) على خديجة (عليها السلام) حتى خُشي عليه.

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-04-2021

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
ليس من الغريب أن يكون لفقد خديجة عليها السلام أثر كبير في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد دخل عليه من الحزن الشديد والأسى البالغ، والوحشة الكبيرة ما لا نظير له (حتى خشي عليه)([1]) من الحزن.
ولقد دخلت عليه خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية امرأة عثمان بن مظعون فقالت له: كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة قال:
«أجل كانت أم العيال وربة البيت»([2]).
ويدل دخول خولة بنت حكيم عليه إلى اشتهار حاله صلى الله عليه وآله وسلم في أوساط مكة حتى تحدثوا بذلك في محافلهم وأنديتهم ومجالسهم ودورهم فقالوا: (ما رأينا رجلاً حزن على امرأة مثل محمد ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ)([3]).
وقال بعضهم: (يحق له أن يحزن عليها للخصال التي ركّبت فيها من عقلها، وعفتها، وطهارتها، وأدبها، وحسن ودادها، فقال رجل منهم يقال له (ابو عزيزة) يرثي خديجة ــ عليها السلام ــ وينشده شعراً، فيقول:

ذرِفت دموعك يابن عبد مناف       زين الرجال وسيد الأشراف
يا ابن الأكابر من ذؤابة هاشم        وابن المعد لرحلة الإيلاف
المطعمون الطير في أوكارها        والقائلون هلم للأضياف
رزي النبي بفقده لخديجة             حتى تتابع دمعه بوكاف
ما في الأنام محافظ لقرينه           إلا الأمين وصاحب الإنصاف
يبكي خديجة دهره زين النسا        الطاهرات جميلة الأوصاف


قال: فبلغت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعجبه ذلك وبعث إليه ببردة ودراهم كرامة له على أبياته، وتحدثوا أهل مكة بحديثه)([4]).
وذكر أصحاب السير: أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد سمى هذا العام الذي توفيت فيه خديجة وعمه أبو طالب (بعام الحزن)([5]).
بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ لنفسه أسلوباً خاصاً في التعامل مع هذه الأحزان «فقد لزم بيته وأقل الخروج»([6])؛ فقد توالت عليه في هذا العام مصيبتان([7]).
فهكذا كان حزنه على رحيل خديجة عليها السلام بعد أن عاشت معه أكثر من أربعة عشرين سنة، وقفت معه فيها على تبليغ رسالة ربه، وناصرته، وآزرته في دعوته، وبذلت في ذلك الغالي والنفيس، فضلاً عن مواساتها له صلى الله عليه وآله وسلم في تحمل أعباء الرسالة ومواجهة أعداء الله حتى كانت تقف أمام الحجارة التي يرمونه بها فتحميه بجسدها، وصبرت على ظلم قريش لهما حتى وافتها المنية صابرة محتسبة على ما نزل بها في سبيل الله ونصرة دينه، وايماناً وتصديقاً برسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولذلك:
كان لها من القدر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما جعله ينظر إليها كنفسه المقدسة لاسيما وقد نص على ذلك بقوله حينما دخل عليه الصحابي الجليل سلمان المحمدي (الفارسي) وعنده جماعة من أصحابه وأهل بيته فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«من عرف قدر خديجة فقد عرف قدري، ومن أهان قدرها، أهان قدري»([8]).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«من أراد هوان خديجة فقد أهان الله تعالى»([9]). ([10]).

الهوامش:
([1]) الطبقات الكبرى لابن سعد: ج8، ص60؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج2، ص116؛ الإصابة لابن حجر: ج8، ص102.
([2]) الطبقات لابن سعد: ج8، ص58؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج3، ص172؛ الإصابة لابن شهر: ج8، ص102؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج6، ص33.
([3]) «مخطوط» الجزء الثاني من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الحسن البكري، يرقد هذا المخطوط في مكتبة الأسد بدمشق الشام، ويحمل الرقم (12442).
([4]) المصدر السابق.
([5]) السيرة الحلبية: ج2، ص42؛ المناقب لابن شهر: ج1، ص151؛ البحار للمجلسي: ج19، ص15؛ الرسالة المحمدية للثعالبي: ص76؛ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج8، ص180؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ص45؛ كشف الغمة للأربلي: ج1، ص16.
([6]) الطبقات الكبرى لابن سعد: ج1، ص211؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج3، ص165؛ سبل الهدى للشامي: ج2، ص435.
([7]) الذرية الطاهرة للدولابي: ص63؛ المنتخب من كتاب أزواج النبي للزبير بن بكار: ص33؛ سمط النجوم العوالي للصنعاني: ج7، ص492، ح14003؛ القوانين الفقهية لابن الكلبي: ص408، ط دار الكتاب العربي؛ وسيلة الإسلام لابن قنفذ: ص54.
([8]) «مخطوط»، كتاب فضائل العشرة لابن العباس الكنكشي، يرقد هذا المخطوط في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (12990).
([9]) نفس المصدر السابق.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: خديجة بنت خويلد امة جمعت في امرأة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة، ج4، ص 109-113.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 1.2627 Seconds