بقلم: الدكتور خليل خلف بشير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
روي عن امير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ - الآية /143 ، يقول (عليه السلام) : ((وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى : لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة، ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر ﴿ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا، يعني ميتا فكان عقوبته الموت ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال : ﴿ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك،...))[1].
4- أما قوله تعالى ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ - الآيات 163-166﴾ فقد ورد تفسيرها في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام)،ورواها عنه أبو جعفر الباقر (عليه السلام) الذي يقول : وجدنا في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام)إن قوما من أهل إيلة من قوم ثمود، وان الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك، فشرعت لهم يوم سبتهم في ناديهم، وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فتبادرا إليها فاخذوا يصطادونها ويأكلونها، فلبثوا بذلك ما شاء الله لا ينهاهم الأحبار، ولا ينهاهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنما نهيتم من أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها فاصطادوا يوم السبت وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، وانحازت طائفة [ أخرى ] منهم ذات اليمين وقالوا : الله الله إنا نهيناكم عن عقوبة الله أن تعرضوا لخلاف أمره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم يعظهم، وقالت الطائفة التي لم تعظهم : لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا وقالت الطائفة التي وعظتهم : معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، قال الله : ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ يعني لما تركوا ما وعظوا به ومضوا على الخطيئة قالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجا معكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء، فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال أهل [ المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد فوضعوا سلما على سور ] المدينة ثم اصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة، فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون فقال الرجل لأصحابه : يا قوم أرى والله عجبا ! فقالوا : وما ترى؟ قال القوم قردة يتعاوون لهم أذناب [ قال ] : فكسروا الباب ودخلوا المدينة، قال فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة قال : فقال القوم للقردة : ألم ننهكم؟ قال : فقال أمير المؤمنين : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة، لا ينكرون ولا يغيرون، بل تركوا ما أمروا به [ فتفرقوا ] وقد قال الله : ﴿فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وقال الله﴿أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾))[2].[3].
الهوامش:
[1]- التوحيد 263.
[2]- تفسير العياشي 2/34.
[3]لمزيد من الاطلاع ينظر: من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وادعيته العلوية للدكتور خليل خلف بشير، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 82 - 84.