بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم – الجامعة العربية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
فقد تمثل الإمام علي عليه السلام بالشعر كما ثبته الرضي (رحمه الله) في كتاب نهج البلاغة وهذا يبين اهتمام الإمام عليه السلام بالشعر العربي ومعرفته التامة بنوعيته وأصالته لما له من قوة بيان، ومنه، قوله عليه السلام متمثلاً بقول الشاعر:
لعمر أبيك الخير يا عمرو وأنني عليَّ وضرٌ من الإنــــــاءِ قليل
هذا البيت الشعري تمثل به الإمام علي (عليه السلام) ضمن خطبة خطبها بعد أن تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على اليمن وقدم عليه عماله على اليمن عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة[1] فقام (عليه السلام) إلى المنبر ضجراً من تثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال:
ما هي إلا كوفة اقبضها وابطئها، وان لم تكوني إلا أنت تهبُ أعاصيرك فقبحك الله (وتمثل بقول الشاعر):
(لعمر أبيك الخير... ثم قال: (عليه السلام) أنبئت بسراً قد اطلع اليمن واني والله لا أظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم....
كانت وصية معاوية حين أرسل بسر بن أبي ارطأة إلى الحجاز واليمن بهذا النص (سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس وأخف من ورث به وانهب أموال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن قد دخل في طاعتنا، لما وصل المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري ففرّ منهم أبو أيوب، فأتى علياً بالكوفة ودخل بسر المدينة[2].
ثم سار بسر إلى اليمن وكان على اليمن عبيد الله بن العباس عامل علي[3] وسعيد بن نمران، وكان عبيد الله عامله على صنعاء وسعيد بن نمران عامله على الجند[4] وقتل بسر في ميسرة ذلك جماعة كثيرة من شيعة علي باليمن، فوجه إليه الإمام (عليه السلام) جاريه بن قدامة في الفين ووهب بن مسعود في ألفين وهرب بسر وأصحابه منه واتبعهم حتى بلغ مكة[5].
وكانت عاقبة بسر إذ اختلط فكان يهذي ويدعو بالسيف فاتخذ له سيف من خشب فإذا دعا بالسيف أعطي السيف الخشب فيضرب به حتى يغشى عليه، أما وجه تمثّله بالبيت الشعري، يفهم بما تقدم في أول خطبته ما هي إلا الكوفة ابسطها أو اقبضها: أي أتصرف فيها كما يتصرف صاحب الثوب بثوبه يقبضه أو يبسطه...... لديه (عليه السلام) كالوضر القليل في الإناء، والوضر: غسالة السقاء والقصعة وبقية الدسم[6]، و(على) من صلة فعل محذوف، أي أرجي الدهر على كذا[7]، ويضرب لم يتبلغ باليسير[8].
الهاوامش:
[1]- بسر بن ارطاة: بسر بن عمير العامري (ت 86هـ) ولد زمن النبي (صلى الله عليه واله) يشك في صحبته، قال يحيى بن معين: كان بسر بن ارطاة رجل سوء خرف آخر عمره، كان من أصحاب معاوية بعثه معاوية إلى اليمن في جيش كثيف، وأمره أن يقتل كل من كان في طاعة علي (عليه السلام) فقتل خلقاً كثيراً، فقتل فيمن قتل ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكانا غلامين صغيرين فقالت أمهما ترثيهما
يا من أحس بابني هما كالدرتين تشـطى عنهـما الصـدف
يا من أحس بإبني هما قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف
الأبيات مشهورة! دعا عليه الإمام علي (عليه السلام) أن يطيل عمره ويذهب عقله فكان كذلك، ترجمته: أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيين، ص42، الشيخ المفيد: الأمالي، 206؛ العسكري: تصحيفات المحدثين، 2/577؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 10/144؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ،3/298؛ الذهبي: تاريخ الإسلام، 5/367؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/409؛ القرطبي: تفسير القرطبي، 6/171؛ الزركلي الأعلام 2/51.
[2]- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/319.
[3]- المصدر نفسه.
[4]- الثقفي: الغارات، 2/635.
[5]- الطبري تاريخ الامم والملوك، 3/319.
[6]- نهج البلاغة: شرح محمد عبده، ص85.
[7]- الميداني: مجمع الأمثال، 2/372.
[8]- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 136 – 138.