من الأمثال العربية في نهج البلاغة توظيفه عليه السلام المثل القرآني الحلقة الأولى: الملامح التاريخية في القرآن الكريم

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة توظيفه عليه السلام المثل القرآني الحلقة الأولى: الملامح التاريخية في القرآن الكريم

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-02-2023

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم – الجامعة العربية.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..

وبعد:
فقد تمثل الإمام علي عليه السلام بالقرآن الكريم كما ثبّته الرضي (رحمه الله) في كتاب نهج البلاغة وهذا يبين أهتمام الإمام عليه السلام بالقرآن الكريم ومعرفته التامة بكتاب الله تعالى وقبل الخوض في استعمالات المثل القرآني عند الإمام (عليه السلام) لابد من توضيح الملامح التاريخية في القرآن الكريم.
والقرآن الكريم كتاب عقيدة وتشريع بالدرجة الأولى، قال تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[1].
ولا سيما أنها تتعدى آيات التشريع من حيث العدد، حيث أن عدد آيات الأحكام خمسمائة آية، بينما تتجاوز آيات القرآن التي تُحدث عن الأحداث التاريخية أكثر من ألف ومائتي آية.
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[2].
{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[3].
الملاحم التاريخية في القرآن الكريم لها أهداف وغايات، ومن أهم أهدافها: المواعظ والعبر والتدبير.
 {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[4].
ولم تخل الأمثال القرآنية هي الأخرى من إشارات تاريخية عامة لأحداث مضت فاشترك المثل القرآني مع الحديث التاريخي بالمقاصد والأهداف[5].
قال تعالى {وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[6].
(وفي المثل القرآني عن الغابرين وتصويرهُ لأهم جوانب اثارته، دقة التعبير وضرب من التجديد، فهو يأخذ مجال العبرة وفطنة الغرض، ويكتفي عادة فيها بعرض الموضوع وكأنك تشاهده على أجواء عديدة متناثرة في خضم التاريخ، إلا أنها متماثلة من حيث الأحداث والدلالات وقرب عنصر النظر والتأمل والإدراك، وأتاح للفكر الترصد وللنفس العظمة ولذوي الألباب الاعتبار)[7].
وللمنهج التاريخي في القرآن الكريم أبعاد يستند إليها في طرحه أسوة بمنهج التاريخ العام، وبما أن المنهج التاريخي العام يستند إلى بعدي الزمان والمكان وهما وقت وقوع الحدث ومكان مسرح الحدث، والمنهج التاريخي في القرآن يأخذ البعدين الزماني والمكاني في بعض وقائعه مع اختلاف بمفهومهما عن النهج التاريخي العام فضلاً عن انه يحتوي على منهج ثابت يضاف إليهما هو البعد الغيبي[8].
والبعد الزماني يتمثل في إشارات الزمان الدنيوي ونهايته {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا الله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[9]  {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[10]، وفي هذه الآية تأكيد أنها من سني الدنيا ومن حسابات الناس.
أما البعد المكاني في القرآن الكريم يكاد يهمل في الأحداث التاريخية بل ويهمل مسرح الأحداث في أكثر وقائعه، والقرآن ينحصر مسرح أحداثه تقريباً في منطقة الشرق العربي وما يجاوره ولكنه لا يحدد بتعبيره طرحه أماكن أكثر الأحداث وذلك من خلال ذكره لآيات تتضمن التحدث عن مشارق ومغارب.
ولعل من أسباب إهماله البعد المكاني ذلك الانطلاق في عموميات الإسلام الشاملة لكل بقاع العالم المكتشفة فيها.
لكنه يذكر مكان الحدث ان كان جزئياً أو خاصاً كما في سبأ وبكة ويثرب:
{يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا.....}[11]
{وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[12]
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}[13])[14].

الهوامش:
[1]- البقرة: آية 2.
[2]- يوسف: آية 111.
[3]- هود: آية 120.
[4]- النحل: آية 76.
[5]- ينظر: محمود شاكر الخفاجي: ملامح الفكر التاريخي في القرآن الكريم، اطروحة دكتوراه، غير مطبوعة، معهد التاريخ العربي ص25.
[6]- النحل: آية 112- 113.
[7]- الصغير، محمد حسين: الصورة الفنية في المثل القرآني، شركة المطابع النموذجية، بغداد 1981م.ص305.
[8]- محمود شاكر: ملامح الفكر التاريخي في القرآن الكريم، ص44.
[9]- إبراهيم: آية 48.
[10]- محمود شاكر: مصدر سابق ص45.
[11]- الاحزاب: آية 13.
[12]- النحل: آية 22.
[13]- آل عمران: آية 96.
[14]- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 160-163.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2377 Seconds