بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
وردت هذه المادة في ستٍ وعشرين مَوضِعاً من النَّهْج لتدل على:
1-المعنى الحقيقي (المادي): ويعني عَدُّ الأشياء وحسابها، ومنه الحِساب الدٌنيوي، ومنه (الحِسْبة)، وقد ورد في كلام الإمام (عليه السلام)، إذ جاء على زنة (فِعَال)، وذلك في قوله يحثُّ النَّاس على التَّقوى «أَلاَ فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ لِلاخِرَةِ! وَمَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيل يُسْلَبُهُ، وَتَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ وَحِسَابُهُ !»[1]
2) المعنى المجازي: يراد به حِسَاب النَفسِ، أو هو الحِساب الآخروي، أوعدُّ الشَرف والمفاخر، ورد على زنة الفعل الماضي المزيد (فَاعَل) وهو مأخوذ من المُحَاسَبة، يُراد به مُحاسَبة الآخرين على الصَّرف، كما يدل على محاسبة النفس. فجاء الإسم منه الحِسَاب على زِنَة (فِعَال): ويعني عَدُّ الشَّيء وإحصائه، كإحصاء المَّال، والحساب يعد من وسائل ضبط الجباية، ويدلُّ على قيمة الشَّيء، وفي الإصطلاح: العمل الذي يحتاج إليه في ضبط المَّال الذي يجمعه الجُبَاة، ومعرفة مورده، ومصرفه. وصيغة (مُحاسَبَة) على زنة (مُفـَاعَلَة) التي تَدُلُّ على المشاركة، جاءت في حديثه عن أهل الذِّكر: «وفرغوا لمحاسبة انفسهم على كل صغيرة وكبيرة»[2]، وهو حساب الآخرة، ولما كان هذا الحساب له أمد معلوم، فقد اثر السياق صيغة فعال، أمَّا المحاسبة فيلحظ فيها التكرار، والإستمرار والدَوام والإستدامة والمشاركة ؛ لذا استعملت في مايدلُّ على محاسبة المتقين لأنفسهم بصورة مستمرة.
أمَّا فعل الأمر حاسِبْ جاء في قوله: «فحاسب نفسك لنفسك فان غيرها من الانفس لها حسيب غيرك»[3]، الغرض من التنبيه هاهنا إنَّ أعظم ما على الإنسان وأضَرُّ مايكون عليه نفسه، فقوله: (حاسب نفسك) جمع فيه حسن البلاغة مع بليغ الوعظ وأحسنه.
قال ابن فارس: «الحاء والسين والباء أصول أربعة: فالاول: العد. تقول: حَسَبتُ الشيء أحْسُبُه حَسْبا وحُسْبانا قال الله تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} فيتحرك بموازين دقيقة جدا، ومن قياس الباب الحِسْبانُ الظنُ، وذلك أنًه فرق بينه وبين العد بتغيير الحركة والتصريف، والمعنى واحد، لأنه إذا قال حسِبته كذا فكأنًه قال: هو في الذي أعـُـدٌه من الامور الكائنة،..... والحسْبة: احتسابك الاجر»[4].
قال الرَّاغب: «الحساب إستعمال العَدد، يقال: حسبت أحسب حسابا وحُسْبانا وقيل: لايعلم حسبانه الا الله»[5].
قال تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[6].
وفي اسماء الله ـ تعالى: «الحسيب»، هو الكافي، فعيل بمعنى مفعل. ومنه في الحديث: «الحَسب المال، والكَرم التـًقْـوى» [7]، وسمي بذلك؛ لأنهم يعدون مفاخرهم أي يحسبونها
فالحَسْبُ في الأصلِ، الشرف بالآباء وما يعده الناس من مفاخرهم. والحِسَاب: العَدُّ، والحُسْبَان أي: العَد الدقيق. يقال: حَسِبْتُ المَّال حَسْبا من باب قتل وحُسْبَانَاً بالضَّم. وقيل: الحِسَابُ استعمالُ العَدد والحَسَيب: المُحَاسِب[8]. الذي يمتهن المحاسبة، وصيغة (فعيل) تدل على الكثرة؛ لذا سمي بها من كانت مهنته الحساب لكثرة قيامه بها)[9].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: خ 157، 157.
[2] خ 222، 252.
[3] نهج البلاغة: خ 222، 252.
[4] مقاييس اللغة: 2 / 60، علماً أنَّ الآية الواردة، سورة الرحمن / 4 ـ 5.
[5] المفردات في غريب القران: 1 / 153.
[6] الانعام / 96.
[7] ظ: النهاية في غريب الحديث والأثر: 206.
[8] المعجم الاقتصادي الاسلامي: 114.
[9]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 151-153.