مقومات التنمية البشرية للشخصية القيادية في نهج البلاغة ثالثاً- المقومات الإدارية هـ-العدالة

مقالات وبحوث

مقومات التنمية البشرية للشخصية القيادية في نهج البلاغة ثالثاً- المقومات الإدارية هـ-العدالة

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-08-2023

بقلم: م . م علي فاخر حسن.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد وآله الطاهرين.

وبعد:
من العدل وهو القصد في امور ضد الجور وهي ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى[1]، وهي من اهم الصفات البارزة في اصول ادارة الدولة، التي يجب ترسيخها في المجتمع في نظر الإمام علي (عليه السلام)، والتي اقترنت باسمه[2]، باعتبار أن التنمية والبناء للمجتمع عبارة عن توسيع لحريات البشر، فيعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة والابداع ويسعوا إلى تحقيق الأهداف التي ينشدونها، ويشاركوا في رسم مسارات التنمية في اطار العدالة والانصاف[3]، والتي تعد من اهم مكونات التنمية البشرية، التي أشار إليها الإمام علي (عليه السلام) بقوله ((قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ اَلْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلُ عَدْلِهِ نَفْيُ اَلْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ اَلْحَقَّ ويَعْمَلُ بِهِ لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا ولاَ مَظِنَّةً إِلاَّ قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ اَلْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ))[4].

إن من يلتزم امور الناس، لابد أن تتوفر فيه صفات، تدل عليه ومنها ان يلتزم بالعدل ولو على نفسه، واول العدل طاعة الله واتباع العقل والعلم ومجانبة الهوى والنفس الأمارة بالسوء، ويريد الإمام (عليه السلام) ان المؤمن الصادق هو الذي يعيش دينه وايمانه، ويعبر عن عقيدته بالعمل المجسد المحسوس، ولا ينفصم عن نفسه وايمانه بحال، ولا يقيس أي عمل من أعماله، الا بما امره الله تعالى، أي انه عادل حتى في حسابه لنفسه لأنه يخاف الله فهو الذي يستحق عقلاً ان يُتبع [5]، ولاشك ولا ريب ان بسط العدل يتطلب عادلًا ومنصفًا، خاصة من كان يتولى امور دولة تقوم على مبادئ من ضرورياتها العدل والإنصاف، وهو من مميزات الدين الإسلامي الذي يهتم بالعدالة في كل مفاصل الحياة حتى في ادق الشؤون الاجتماعية[6]، ولهذا يحث الإمام (عليه السلام) كل من يتولى امور الأمة بالعدل بل كل إنسان يجب ان يتصف بالعدل، لان الناس تعيش في مجتمع، ويستوجب ان يكون العدل سجية ولو في العمل او المنزل، وهذا ما يشير اليه قوله (عليه السلام) بحثه عليه:

((اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ وَاحْذَرِ الْعَسْفَ وَالْحَيْفَ فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلَاءِ وَالْحَيْفَ يَدْعُو إِلَى السَّيْفِ))[7] العدل واشاعته امر مهم في عقيدة الإمام علي (عليه السلام) وهذا واضح فقد ((عطف الحيف على العسف من باب عطف التفسير، والمراد بالجلاء هجرة أهل البلاد عنها فراراً من البغي والجور، والمعنى لا تظلم أحدا من الرعية، لأن الظلم يدعو المواطنين إلى الثورة أو ترك البلاد، وبالثورة تسفك الدماء، وبالهجرة تخرب البلاد))[8]. ان الامام هنا يوجه دعوة إلى ((اعتدال الحاكم، وعدم جنوحه في احكامه إلى اهوائه، أو أن يتشدد بلا حق؛ حيث يؤدي ذلك بالرعية إلى الفرار، او انقباض الناس عنه، فيتركونه لوحده، وهو ما لا يعد نجاحاً للحاكم ليحمد عليه، بل يكشف عن ضيق افق الذي ينطلق من خلاله في سياسته العامة، فلابد من التصحيح، وأن يكون منصفاً وعادلاً))[9] فقد كانت العدالة من اولويات امير المؤمنين(عليه السلام) التي عمل جاهدا من اجل ترسيخها في النفوس والحث على تمثلها كإحدى القيم الأصيلة التي يلزم التثقيف على ضرورتها واهميتها[10]، فالعدالة رعاية لحقوق الآخرين وعدم التعدي على الحقوق وعدم التجاوز على حقوق الاخرين[11]، ومعناها أن يعيش جميع ابناء المجتمع في سعادة ورفاه، تزول بينهم الفوارق والاختلافات وتحقيق العدالة بما تعنيه من التوازن والمحافظة على الحقوق العامة من الهدر والضياع)[12].

الهوامش:
[1] ظ: اخلاق الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، خضر القزويني: 111. اسس العدالة والاعتدال عند امير المؤمنين، محمد صادق الخرسان: 10.
[2] ظ: الإمام علي امير المؤمنين الشخصية الإسلامية الخالدة، عبد السلام الجعفري: 237.
[3] ظ: التنمية البشرية في القرآن الكريم- طلال فائق الكمالي:56.
[4] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد:9 / 364.
[5] ظ: في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 1/ 436.
[6] ظ: منهاج الحياة، علي الاشكوري: 495.
[7] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 20/ 245.
[8] في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 4/484.
[9] اخلاق الإمام علي (عليه السلام)، محمد صادق الخرسان: 2/29.
[10] اسس العدالة والاعتدال عند امير المؤمنين، محمد صادق الخرسان: 18.
[11] في رحاب نهج البلاغة، مرتضى مطهري: 81.
[12] لمزيد من الاطلاع ينظر: التنمية البشرية في نهج البلاغة: م.م علي فاخر حسن، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 47-49.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2787 Seconds