من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة قال عليه السلام: ((حَتَّى اسْتَقَرَّ الاْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أوطَانَهُ))

مقالات وبحوث

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة قال عليه السلام: ((حَتَّى اسْتَقَرَّ الاْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أوطَانَهُ))

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 02-01-2024

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وازل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
الجِرَان مُقَدَّم العُنُقِ من مذبحِ البَعِيْر ومنحره[1]. وقيل: الجِرَان هو باطن العنق[2]. ووصفه بعض اللغويين بالجلدة تضرب على باطن العنق من ثغرة النحر إلى منتهى العنق في الرأس[3]. ومفردة (جِرَانه) من الفاظ نهج البلاغة؛ فقد استعملت فيه أربع مرات[4]؛ للدلالة على اتساع الدين والاسلام واستقرار وامتداده. ومن ذلك قوله (عليه السلام) في مقام الحديث عن أثر الصدق مع الله تعالى في تحقيق النصر على الكافرين: ((وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الاْلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالاْخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاولاَنِ تَصَاولَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أنْفُسَهُمَا، أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ[5]، وَأنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ  وَمُتَبَوِّئاً[6] أوطَانَهُ))[7]. والنص وصف الحال الاسلام والمسلمين في بدء الإسلام، وكيف كان المسلمون مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقاتلون آباءهم وأبناءهم وقراباتهم من أجل الإسلام، حتى أنزل الله بأعداء المسلمين الفزع والخسران، فاستقر الدين وتمكن أمره في الأرض. وقد عبر الإمام عن حال تمكن الاسلام واستقراره بما يناسب الطبيعة المألوفة للمخاطبين في ذلك الوقت، فاستعمل لفظ (جِرَانه)، وهو مقدم عنق البعير، فإذا مد البعير عنقه قيل ألقى جرانه بالأرض[8]. وتكون هذهِ الحالة عندما يبرك البعير على الأرض بعدما يؤتي به من سفرٍ أو غيره، فيمد البعير جرانه لأخذ الراحة والاستقرار. ويكون الجمل في هذهِ الحال ثابتاً مستقراً بالأرض. ووظف الإمام هذا التعبير؛ لاظهار دلالة استقرار الاسلام وابتعاد المناهضين له عنه، وهم المشركون الذين منعوا النبي (صلى الله عليه وآله) من نشر الدين في أوائل ظهور الاسلام. والملاحظ أن الاستقرار في قلوب المسلمين مقدم على استقراره في الأرض، وانتشاره في البلدان.
وثمة دلالة أخرى أراد الإمام الإشارة إليها من خلال تعبير (مُلْقِياً جِرَانَه)، وهي صلابة الاسلام وقوته على الرغم من الفتن والملاحم التي مرت به. والصلابة التي يتميز بها جران البعير، فهو من الصلابة بمكان، حتى أن العرب كانت تسوي سياطها من هذا الجزء من البعير لقوته وصلابته[9]. ويبدو لي أنّ هذهِ الدلالة أليق بالسياقات التي وردت فيها لفظة (جران) في نهج البلاغة، فالإمام (عليه السلام) لم يستعمل المفردة المتقدمة إلا عند كلامه على الإسلام واستقراره معبراً عن ذلك بلفظة (جرانه) التي وردت بالدلالة المتقدمة نفسها في (خ/182، قصا/17، 467).)[10].

الهوامش:
[1] ينظر: العين (جرن): 6/104.
[2] ينظر: تهذيب اللغة (جرن): 11/27، ولسان العرب (جرن): 13/86.
[3] نفسه.
[4] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 83.
[5] الكَبْتُ الصَّبرْ، وهو كَسْر الرّجل وإخْزَاؤه. ينظر: لسان العرب (كبت): 2/76.
[6] بَوَّأهم نَزَل بهم إلى سَنَدِ جَبَلٍ. ينظر: المحكم (بوء): 10/561.
[7] نهج البلاغة: قصا / 467: 694.
[8] ينظر: العين (جرن): 6/104.
[9] ينظر: تهذيب اللغة (جرن): 11/27.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 56-57.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2586 Seconds