بقلم . د. الشيخ محسن الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
ظاهرة النفاق هي من أخطر الظواهر، وأكبرها ضرراً على الأمة الإسلامية إذْ عانت الأمة الإسلامية منذ اليوم الأول لولادتها من هذه الظاهرة الخطيرة.
وقد حذَّرَ الله عَزَّ وجَلَّ في القرآن الكريم رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من خطر المنافقين في آيات عدة وبيَّن بعض صفاتهم وأساليبهم وكشف عن بعض نواياهم وخططهم الخؤونة، وأساليبهم وأهدافهم وتوعدهم بالخزي والفضيحة والعذاب الأليم في آيات كثيرة من القرآن الكريم، كما خصص الله عَزَّ وجَلَّ سورة كاملة من سُور القرآن باسم "سورة المنافقون" لتحذير المؤمنين منهم، فمن تلك الآيات على سبيل المثال لا الحصر:
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذا قَامُواْ إلى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إلا قَلِيلاً}([1])، وقوله عزَّ مِنْ قائل: {إذا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذبُونَ}([2])، وقوله جلَّ جلاله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([3])، وغير ذلك من الآيات التي تبلغ العشرات في ذم النفاق والمنافقين، والتحذير منهم ومن مخططاتهم.
كما حذر الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من ظاهرة النفاق والمنافقين وفضح مخططاتهم في مواقف كثيرة، فقد ذكرت بعض الأحاديث جانباً من علامات المنافقين وصفاتهم، ففي الحديث النّبوي: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إذا ائْتُمُنَ خَانَ، وَإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذا وَعَدَ أَخْلَفَ"([4]).
والحديث لا يدور هنا طبعاً عن المنافق بالمعنى الخاص، بل عن الذي في قلبه خيوط من النفاق، تظهر على سلوكه بأشكال مختلفة، وخاصة بشكل رياء، كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "اَلرِّيَاءُ شَجَرَةٌ لاَ تُثْمِرُ إلا الشِّرْكَ الْخَفِيَّ، وَأَصْلُهَا النِّفَاقُ"([5]).
واظهر وصف للمنافقين بعد وصف القرآن الكريم، ما جاء في نهج البلاغة على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي وصفه الشيخ مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل "بالنص الرائع"، إذْ قال:"وفي نهج البلاغة نصّ رائع في وصف المنافقين عن أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول فيه: "أوصِيكُمْ عِبَادَ الله بِتَقْوَى الله، وَأُحَذِّرُكُمْ أهل النِّفَاقِ، فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ المُضِلُّونَ، وَالزّالُّونَ الْمُزِلُّونَ، يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَانَاً، وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً، وَيَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَاد"([6]).
فبين عليه السلام أنَّ النفاق مرض خطير وجرم كبير وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر... والنفاق أخطر من الكفر، وقد كان استشهاد صاحب الأمثل بهذا النص عند تفسيره لقوله تعالى: {8وَإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذا خَلَوا إلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهزِءُونَ}([7]).
وفي تفسير قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ}.
قال الشيخ محمد جواد مغنية في الكاشف: "تعكس هذه الآية جبن المنافقين وخورهم عند القتال، وجرأتهم على الذنوب والآثام وهم آمنون مطمئنون ترتعش منهم القلوب، وتدور العيون في رؤوسهم فزعاً وهلعاً في ساحة الوغى وعند السلم والأمن يطلقون ألسنتهم السلاط تنهش المؤمنين والمجاهدين"([8]).
معضداً رأيه بما ورد في نهج البلاغة من قول الإمام عليه السلام: "إنَّ المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له وما ذا عليه"([9]).)[10].
الهوامش:
([1]) النساء، 42.
([2]) المنافقون، 1.
([3]) المنافقون، 2.
([4]) الكافي، 2/ 170.
([5]) مستدرك الوسائل، 1/ 107.
([6]) ظ : الأمثل، 1/ 99، ونهج البلاغة، 2/ 166.
([7]) البقرة، 14.
(2) الكاشف، محمد جواد مغنية، 6/ 203.
([9]) الكاشف، 6/203، ونهج البلاغة، 2/ 94.
([10] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 209-212.