بقلم: الشيخ محسن المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
أ) «يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ وَيَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ»([1]).
ب) عند فناء الأجل: «فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ([2]) عِنْدَ المَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَيَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ وَيَتَمَنَّى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ»([3]).
ج) للضعف والهوان: «وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلَا مَغْدًى([4])»)([5]).
ومن حديث الزهد:
«أَحْيِ قَلْبَكَ بِالمَوْعِظَةِ وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ»([6]).
«وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ»([7]).
ولافت للنظر أن يكون القلب محورًا ومدارًا للحياة والموت في آن واحد، نعم إنه الفناء بالبقاء، والبقاء بالفناء، تلك هي دقة المعادلة وانضباط الموازنة.
والزهد كما يبدو ويتراءى فقد وعدم، ولكنه في جوهره وجود وتوفّر، كالزكاة مال يؤخذ فتنقصه النفقة ولكنه النماء، والله يُرْبِي الصدقات.
«أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ»([8]).
ومن دعائم الصبر:
«وَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ وَالشَّفَقِ وَالزُّهْدِ وَالتَّرَقُّبِ»([9]).
«وَلَا زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ»([10]).
ومن آثاره المباركة:
«وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ بِالمُصِيبَاتِ»([11]).
«ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُبَصِّرْكَ اللهُ عَوْرَاتِهَا وَلَا تَغْفُلْ فَلَسْتَ بِمَغْفُولٍ عَنْكَ»([12]).
ومن الزهد في مجاله الاجتماعي:
«زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْسٍ»([13]).
«وَلاَ يَكُونَنَّ المُحْسِنُ وَالمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الإحسان فِي الإحسان، وتَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ»([14]).
«وَلَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ»([15]).
«لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي المَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ»([16]).
الإمام الزاهد الحقيقيّ:
أ) «أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ»([17]).
ب) «وَاللهِ لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِي عَيْنِي مِنْ عِرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ»([18]).
ج) «لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ المُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ»([19]).
وبعد...
فهذه حقيقة الزهد، وواقعيته، مثّلها الإمام عليه السلام عملاً، وجسّدها وصوّرها قولاً وحكمًا وتربية، وبعثها فكرًا وروحًا، تُستجلى من مجموع كلمه الناظر في كافّة النواحي والأطراف.
فصلوات الله ورضوانه على مجسِّم كمالاتها ونبراس فضائلها وشريف خلالها)([20]).
الهوامش:
([1]) م 150 /497-498.
([2]) أصحر له: ظهر له وانكشف.
([3]) خ 109 /160-161.
([4]) المراح: الذهاب في العشي، المغْدى: الذهاب في الصباح.
([5]) خ 32 /75.
([6]) ك 31 /392.
([7]) م 4 /469.
([8]) م 28 /472.
([9]) م 31 /473.
([10]) م 113 /488.
([11]) م 31 /473.
([12]) م 391 /545.
([13]) م 451 /555.
([14]) ك 53 /430-431.
([15]) ك 31 /403.
([16]) م 204 /505.
([17]) خ 3 /50.
([18]) م 236 /510.
([19]) خ 74 /102.
([20]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص196-199.