بقلم: رضي فاهم عيدان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدًا كثيرًا وأعوذ به من شر نفسي إنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
إما بعد:
ذكرتْ طائفةٌ من المصادرِ المعتدِّ بها أنَّ قولَهُ تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} نزلتْ في الإمام عليٍّ (عليه السلام)، نذكرُ ما جاء في بعضٍ منها في ما يأتي:
مِهادُ التّنزيل:
جاءَ في تفسيرِ فراتِ الكوفي * حوالي (ت426هـ)؛ قال: ((حدَّثَني محمدُ بنُ أحمد بن عثمان بن دليل، قال: حدثنا أبو صالح الخزاز، عن مندل بن علي العنزي عن الكلبي، عن أبي صالح: عن ابن عباس في قول الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} قال: مع عليٍّ وأصحابِه.)) ([1]). وعنهُ بالإسنادِ المتقدِّم (( عن ابنِ عباس: وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} نزلتْ في أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب وأهلِ بيتهِ خاصّة.))([2]).
وفي الدر المنثور ((أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} قال: مع علي بن أبي طالب، وأخرج ابن عساكر عن أبي جعفر في قوله: {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} قال: مع علي بن أبي طالب)) ([3]).
المعاني اللغوية للفظة (الصادقين):
(الصادقين):
لفظةُ (الصَّادِقين) اسمُ فاعلٍ من(صَدَق) ؛ و((الصِّدقُ: ضدَّ الكَذِب؛ صَدَقَ يصدُق صِدْقاً... والصَّادِقُ والصّدوقُ واحد.))([4])، وأصلُ اللَّفظةِ فيهِ معنى القوةِ ؛ فهي كما يذكرُ ابن فارس(ت395هـ) :((أصلٌ يدلُّ على قوّةٍ في الشيءِ قولاً وغيرَه. من ذلك الصِّدْق: خلاف الكَذِبَ، سُمِّيَ لقوّته في نفسِه، ولأنَّ الكذِبَ لا قُوَّة له، هو باطل .))([5]) وهي من (( صَدَقَ صِدْقًا خِلَافُ كَذَبَ فَهُوَ صَادِقٌ وَصَدُوقٌ مُبَالَغَةٌ ))([6]) ، وكأنَّ معنى القوة في الصِّدق لِما يبذله الصَّادق من جهدٍ في مواجهة رغبات النفس وميلها إلى الكذب .
ويبدو أنّ للصدْقِ مفهومًا واسعًا لا يُطلَقُ إلاّ على مَن حقَّقه في ذاتِه في علاقته مع نفسه والآخرين، وخلافه لا يُسمى صاِدقًا ؛ قال الراغب الأصفهاني(ت502هـ) : (( الصِّدقُ: مُطابقةُ القولِ الضَّميرَ والمُخْبرَ عنه معاً، ومتى انخَرَم شرطٌ مِن ذلك لمْ يكُنْ صِدقاً تامّاً، بلْ إمَّا أَنْ لا يُوصَفَ بالصِّدقِ ؛ وإمّا أنْ يُوَصَف تَارةً بالصِّدقِ، وتارةً بالكَذبِ على نَظَرينِ مُخْتلفين))([7]) وبذلك فإنَّ الصادق يمتاز عن الكاذب بمقدار المطابقة بين ما يُخبِر به و ما موجود ومتحقق ؛ جاء في لسان العرب ((صَدَقَني فلانٌ أي قال لي الصِّدْقَ وكَذَبَني أي قال لي الكذب ومن كلام العرب صَدَقْتُ الله حديثاً إن لم أَفعل كذا وكذا المعنى لا صَدَقْتُ اللهَ حديثاً إن لم أَفعل كذا.)) ([8])
وكمالُ الصدقِ تمامُ المطابقةِ من حيثُ العزمُ والقولُ والفعل؛ جاء في الكليات : (( والصِّدقُ في القولِ مُجانَبَةُ الكَذب، وفي الفعلِ الإتيانُ به وتركُ الإنصرافِ عنه قبلَ تمامِه، وفي النِّيَةِ العزمُ والإقامةُ عليه حتى يبلُغَ الفعل ))([9]) وهذا هو المعنى العام للصدق، فالصادق مَن كان صادقًا في النِّيَّة وصدرت أقواله وأفعاله مطابقةً لتلك النيَّة فضلاً على حصول هذه المطابقة في ما يُخبر به([10]) .
* لم أعثر على سنةِ وفاته ويبدو أن فرات الكوفيّ عاش ما بين القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع ؛ جاء في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة (( تفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي المقصور على الروايات عن الأئمة الهداة عليهم السلام وقد أكثر فيه من الرواية عن الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي نزيل قم والمتوفى بها الذى كان من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ... وكذلك أكثر فيه من الرواية عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي (المتوفى حدود) 300هـ وكان هو المربى والمعلم لأبى غالب الزراري ( المولود) 285هـ ... ويروى التفسير عن فرات والد الشيخ الصدوق ، وهو أبو الحسن على بن الحسين بن بابويه ( المتوفى ) 329هـ كما أنه يروى والد الصدوق أيضا عن على بن ابراهيم المفسر القمي ( الذى توفى بعد) 307هـ ، ولعل فراتًا بقى الى حدود تلك السنة ، وأما الشيخ الصدوق فيروى في كتبه عنه كثيرا إما بواسطة والده أو بواسطة شيخه الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، وكما يروى الهاشمي هذا عن فرات كذلك يروى عن والد أبى قيراط جعفر بن محمد(الذى توفى )308 هـ فيقوى احتمال أن فراتًا أيضا أدرك أوائل المائة الرابعة )) .الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 4/ 289-299 ، وينظر أيضا : معجم رجال الحديث : 14 /271-272
الهوامش:
([1])تفسير فرات : 173 .
([2])المصدر السابق : 174 ، وينظر : تفسير القمي : 1/ 307 ، الكشف والبيان : 5/109 ، وينظر : شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت : 1/ 259 ، مجمع البيان : 5/152، نور الثقلين : 3/185-186 ، الميزان في تفسير القرآن : 9/ 423.
([3])الدر المنثور: 4/ 316 ، ينظر : تاريخ دمشق الكبير : 42/361 ، ونظم درر السمطين : 112 ، و فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: 1/ 771 ، و ينابيع المودة لذوي القربى : 1/137 ، و روح المعاني : 7/65، و فرائد السمطين : 370 .
([4]) جمهرة اللغة (ص د ق): 2/348، لفظة (الصادق) لا تساوي لفظة (الصدوق) من جهة المبالغة فهما ليسا بمعنىً واحد من هذه الجهة كما ذكر ابن دريد.
([5])مقاييس اللغة (صدق) : 3/339.
([6]) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (ص د ق): 175.
([7]) مفردات ألفاظ القرآن : 478 -497 .
([8]) لسان العرب ( صدق ) : 10/233 .
([9]) الكليات: القسم الثالث (الصدق): 110.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام)/دراسة في ضوء المعنى النحوي الدلالي، تأليف: رضي فاهم عيدان، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 96-72.