ألفاظ النباتات وما يتعلق بها في نهج البلاغة: 4ـ الحَبً:

مقالات وبحوث

ألفاظ النباتات وما يتعلق بها في نهج البلاغة: 4ـ الحَبً:

310 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-06-2025

بقلم: د. سحر ناجي المشهدي

الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..

اما بعد:
تكرر لفظ (الحَبً)  ثمانِ مرات في النَّهْج، ليدلَّ على:
1) المعنى الحقيقي، ومنه قوله في (فتنة بني امية) «.. وَتَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتَخْلاصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَةَ»([1])،  فعندما تفعل بكم تلك الفتن وراية الضلال ما تفعل قد اخذ الباطل مأخذه:  أي استحكم وثبت واخذ مقاره،  وكذلك يركب الجأهل مراكبه([2])،  فشبه فتنة بني امية التي سوف تستخلص المؤمن استخلاص الطير للحبة السمينة الممتلئة دون هزيل الحب([3]) * ووجه الشبه بينهما (الانتقاء والاستخلاص).
وقد أقسم سبحانه وتعالى بفلق الحبة (فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة) وهذا القَسَم لايزال أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقسم به وهو من مبتكراته. 
قال تعالى {إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}([4])، فأقسم في أربعة مواضع،  وفلق الحبة:  شقها وأخرج منها الورق الأخضر ([5]).

إنَّ استعمال الإمام (عليه السلام) لإسلوب القسم وهو إسلوب يكثر في نهجه وبالخصوص في كتبه، أراد منه إنشداد السامع وانتباهه لما بعد القسم، وقد جاء القسم مسبوقاً بواو القسم وفاء القسم.  وهو قسم عظيم باضافتين، وإنما خصَّ الحَبَّة والنَسْمَة بالتعظيم بالنسبة الى الله؛ لما يشتملان عليه من لطف الخلقة وصغر الحجم من أسرار الحكمة، واختلف في تفسيره: ففالق الحبة كقوله فطر الخلائق بقدرته، وقيل فلق الحبة هو الشَّق الذي في وسطها والحَبَّة من الحنطة مثلا غايتها أن تكون شجرة مثمرة ينتفع بها الحيوان جعل الله في وسطها ذلك الشَّق حتى إذا وقعت على الأرض الَّرطبة ثم مرت مدة جعل الله في طرفها الأعلى  مبدأ لخروج الشجرة الصاعدة وفي طرفها الأسفل عروق هابطة الى الأرض.  وهو من بديع صنعه([6]).
فـ» الحاء والباء اصول ثلاثة، احدها اللزوم والثبات، والاخر الحَبًة من الشيء ذي الحَبً، والثالث وصف القصر.  فالاول الحَبُ،  معروف من الحنطة والشعير، فاما الحِبٌ بالكسر فبروز الرياحين،  الواحد حِبًة»([7]).
والحِبًةُ:  بزور البقول والرياحين،  واحدها حَبٌ،  وقيل اذا كانت الحبوب مختلفة من كل شيء شيء فهي حِبًةٌ،  وقيل الحِبًة بالكسر:  بزور الصحراء،  مما ليس بقوت،  والحَبًةُ:  بزر كل نبات ينبت وحده من غير ان يبذر،  وكل ما بُذٍر،  فبزره حَبًة،  بالفتح([8])،  والحبة:  وحدة للزنة
وللمساحة ايضا،  فللزنة مصطلح عليها في البلاد العربية والاسلامية،  وتعادل شعيرتين،  وتجمع على حَبًات وحبوب وحُبًان، وتطلق على جميع بذور النباتات([9]))([10]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة:  خ 108،  110.
([2]) ظ:  شرح نهج البلاغة:  البحراني:  3 / 46.

([3])* وجاء مضافا الى (الحصيد) « سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأرض مِنْ هذَا الشَّخْصِ  الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوس، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ» أي حب النباتات المحصودة من قمح وغيره والمراد:  بخروج المدرة من حب الحصيد:  يطهر المؤمنين من المخالفين،  وفيه اشعار لفظ المدرة لمعاوية وحب الحصيد للمؤمنين،  ووجه المشابهة انه مخلص المؤمنين من وجود معاوية بينهم ليزكوا ايمانهم ويستقيم دينهم،  اذ كان وجوده فيهم سببا عظيما لفساد عقائدهم،  وهلاك دينهم،  كما ان الزراع يجتهدون في اخراج المدر والحجر والشوك ونحوه من بين الزرع كيلا يفسد منابته  فيفسد ثمرته.  لانه لا معنى لاخراج الطين من الزرع فلفظ حب الحصيد لايفهم منه ذلك.
([4]) هود / 81.
([5]) ظ: شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد: 1 / 328.
([6]) ظ: العين (مادة حب):  3 / 31.
([7]) مقاييس اللغة: 1 / 26.
([8]) ظ: لسان العرب (مادة حب):  2 / 745.
([9]) ظ:  ألفاظ المقادير في العربية:  11،  47 تقدر 1 / 60 من المثقال والدرهم: سدس ثمن الدرهم،  بحدود 0،50 غرام 2،  وللمساحة في مصر وتعادل 1 / 72 من الفدان المصري،  واستقرت على 85034491 م 2.  ظ:  ألفاظ المقادير في العربية:  11 و47.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 277-279.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.5992 Seconds