إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء الحلقة (6): إشاراته حول قاعدة أرخميدس

مقالات وبحوث

إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء الحلقة (6): إشاراته حول قاعدة أرخميدس

226 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-06-2025

بقلم: أ.د  علي خلف حسن السنيد

الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
نلاحظ، في حياتنا مثلا، إن زورقا على سطح الماء أو بالونا معلقا في الهواء، يمثلان أجساما تطفو على السوائل وفي الهواء على التوالي. وحتى لو كانت الأجسام مغمورة في المائع (سائل أو غاز) فهي تفقد جزءا من وزنها وهذا يشير إلى وجود قوة نحو الأعلى يسلطها المائع على الأجسام الطافية أو المغمورة فيه تسمى قوة الطفوBuoyancy Force ،  وهذه الظاهرة اكتشفت من قبل العالم اليوناني أرخميدس الذي وضع قاعدته التي اشتهرت باسمه وتنص على إن: ((إذا غمر جسم جزئيا أو كليا في مائع فإنه يفقد من وزنه بقدر وزن المائع المزاح))، وللتبسيط ممكن صياغتها بالتالي:

أ. للأجسام المغمورة كليا في سائل يكون:
وزن الجسم في الهواء – وزنه في السائل = وزن السائل المزاح

ب. للأجسام المغمورة جزئيا في سائل يكون:
وزن الجسم في الهواء = وزن السائل المزاح
وهذه القاعدة تنطبق تماما على الأجسام المغمورة في الغازات، كما ذكرنا([1]).
وفي مصادر أخرى نصها كالآتي: (إذا غمر جسم في سائل فإنه يخسر من وزنه حجم السائل الذي حل محله الجسم المغمور، أي وزن الجسم = حجم السائل المزاح)([2]).

نذكر هنا استعمالها من قبل الإمام علي (عليه السلام) لحل العديد من المسائل.
* جيء إلى الإمام علي عليه السلام برجل قد حلف أن يزن الفيل، فقال عليه السلام لما تحلفون على ما لا تطيقون، فقال الرجل: قد ابتليت.  فأمر عليه السلام بقرفور (أي سفينة طويلة) فيه قصب. فأخرج منه قصبا» كثيرا»، ثم صبغ الماء (ارتفاع الماء) بعد ما عرف صبغ الماء قبل إخراج القصب ثم صير فيه الفيل حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صبغ الماء أولا، ثم أمر بوزن القصب الذي أخرج فلما وزنه قال هذا هو وزن الفيل.
من قاعة أرخميدس، إن الجسم المغمور يكون تحت ضغطين متعامدين من ذلك السائل، أحدهما من الأسفل إلى الأعلى يعادل عمودا من ذلك السائل طوله من سطح السائل إلى نهاية الجسم المغمور، والأخر من الأعلى إلى الأسفل يعادل عمودا من السائل طوله من سطح السائل إلى سطح الجسم المغمور. فلو طرح الضغط الثاني من الأول لحصل على مقدار من القوة الدافعة من الأسفل إلى الأعلى يعادل مقدارا» من السائل بحجم الجسم المغمور.

فلو فرض وزن الجسم المغمور =، ووزن السائل الذي بحجمه =  لظهر هنا ثلاث حالات:

1.  > ، بمعنى وزن الجسم أكبر من وزن سائل بحجمه، أي  –  > 0، فينزل الجسم إلى قعر السائل ويستقر في القعر.

2.  =  ،  بمعنى وزن الجسم يساوي من وزن سائل بحجمه، فالجسم ينغمر في السائل ويكون سابحاٌ في وسطه ولا يستقر في القعر.

3.  < ، بمعنى إن وزن الجسم أصغر من وزن سائل بحجمه، أي  – < 0 عند ذاك يطفو الجسم على السائل ولا ينغمر كله في السائل بل يزيح هذا الجسم من ذلك السائل مقدارا يعادل وزنه. أي إن مقدار السائل المزاح يعادل وزن الجسم الطافي.
ففي حالة السفينة(القرفور) فإنها تزيح من الماء بقدر وزنها (بما فيه من القصب)، وقد وضعت علامة على صفحة السفينة حيث بلغ الماء (وهذا ما يسمى بصبغ الماء). فمثلا وزن الماء المزاح أو صبغ الماء هو  وهو وزن السفينة أيضا». ولنفرض بإخراج مقدار من القصب هومن السفينة، فيكون وزن السفينة الجديد  – ، وهو نفسه وزن الماء المزاح حديثا. عند وضع الفيل في السفينة تثقل السفينة وتنزل مقدارا في الماء وبفرض إن وزن الفيل هو يكون وزن السفينة ( – )+ . ثم نعيد مقدارا من القصب للسفينة حتى تنزل في الماء إلى العلامة الأولى، فيكون وزن السفينة ( – )+ + . وبما انه قد نزلت السفينة إلى حد العلامة الأولى فوزنها يساوي وزنها الأصلي. لذلك ( – )+ +  = ، وبعد حذف  من طرفي المعادلة وترتيب المعادلة يكون =   – ، أي إن وزن الفيل يساوي وزن ما أخرج من القصب أولا ناقصا منه ما وضع في السفينة من القصب ثانيا».
يظهر مما ورد أنهم لم يخرجوا ابتداء كثيرا من القصب، بل بعد أن أخرجوا قليلا من القصب، وضعوا الفيل في السفينة فثقلت السفينة ونزلت أكثر مما نزلت ابتداء» ثم أخرجوا مقدارا آخر من القصب حتى ترتفع وتصل إلى العلامة الأولى عند ذاك وزنوا القصب فكان وزنه يعادل وزن الفيل. لو فرضنا أن السفينة بعد وضع الفيل فيها قد وصلت لنفس وزنها من دون إخراج المزيد من القصب يكون وزن الفيل مساويا لوزن القصب الذي أخرج من السفينة، أي   =  ([3]).

* وفي مصادر عديدة، منها التكامل في الإسلام، ذكر إن الإمام علي (عليه السلام) سئل في رجل مقيد حلف أن لا يقوم من مكانه حتى يعرف وزن قيده، فقال توضع رجله في أجانه (أناء واسع) فيها ماء حتى إذا عرف مقدار الماء مع وضع رجله فيه، يرفع القيد إلى ركبته، ثم يعرف مقدار صبغه، أي ارتفاع الماء، ثـم أمر عليه السلام فألقى في المـاء الأوزان حتى ارتفع الماء إلى ذلك الحد الذي كان سابقا والقيد في الماء، فنظر كم وزن الذي ألقي في الماء من الأوزان، فلما وزنه قال هذا وزن قيدك.
ولتوضيح حل المسألة، من المعروف إن القيد كان يزيح من الماء بقدر حجمه. فعندما وضع الرجل رجله مع القيد في الماء ارتفع الماء، فحدد هذا الارتفاع. وعندما رفع القيد نزل الماء قليلا. ثم ألقيت في الماء بعض الأوزان التي كثافتها عين كثافة القيد، حتى ارتفع الماء إلى ارتفاعه الأول، ذلك لأن حجم هذه الأوزان كان بحجم القيد وكثافتها نفس كثافة القيد كما ذكر. وطبيعي أن الماء يرتفع اذ ذاك إلى نفس الحد لاتحاد الحجم. فإذا حدد مقدار الأوزان الملقاة في الماء كان وزن القيد([4]). 

* وذكرت في كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) للعاملي، هذه الرواية بشكل آخر، وهو، إن رجل قيد عبده بقيد حديد، وحلف أن لا ينزعه من قدميه حتى يتصدق بوزنه، فكيف يفعل ذلك؟ وذهبوا إلى الإمام علي (عليه السلام) وطلبوا الجواب. فأمر الإمام بإحضار جفنه (وهي قصعة كبيرة) وشدَ القيد بخيط، ووقف العبد في الجفنه، والقيد مرسل إلى أسفلها، ثم صب عليه الماء حتى امتلأت، ثم أمر برفع القيد بالخيط، فرفع حتى خرج من الماء فنقص، ثم دعا ببرادة حديد فألقيت في الماء حتى ارتفع وعاد إلى حدَه الأول، ثم قال عليه السلام: زنوا هذا ففيه وزن القيد([5]). 

* كما ذكرت صيغة أخرى لهذه المسألة([6])، في كتاب قضاء الإمام علي لدخيل عن طريـق مناقـب آل أبي طالـب([7])، أنقلها هنـا، وهـي: عـن حفص بـن غالـب قـال: بينــا رجلان جالسان في زمن عمر بن الخطاب إذ مرَ بهما عبد مقيد، فقال أحدهما: إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا»، وحلف الآخر بخلاف مقاله، فسئل مولى العبد أن يحلَ قيده حتى يعرف وزنه فأبى، فارتفعا إلى الخليفة، فقال لهما: اعتزلا نساءكما وبعث إلى علي (عليه السلام) وسأله عن ذلك، فدعا باجانة، فأمر الغلام أن يجعل رجله فيها، ثم أمر أن يصب الماء حتى غمر القيد والرجل، ثم علَم في الاجانة علامة، وأمره أن يرفع قيده من رجله فنزل الماء من العلامة، فدعا بالحديد فوضعها بالأجانة حتى تراجع الماء إلى موضعه الأول، ثم أمر أن يوزن الحديد فكان وزنه بمثل وزن القيد، وأخرج القيد فوزن فكان مثل ذلك([8]))([9]).

الهوامش:
([1]) الفيزياء العامة للمؤلف، ص149-151.
([2]) العلوم الطبيعية في تراث الإمام علي، ص50.
([3]) المصدر السابق، ص51-53  و  التكامل في الإسلام،ص421-423.
([4]) التكامل في الإسلام،ص423.
([5]) عجائب أحكام أمير المؤمنين، ص79.
([6]) قضاء الإمام علي لدخيل، ص52.
([7]) مناقب آل أبي طالب-ج2، ص61.
([8]) وجدت هذه الرواية أيضا في كل من: الشهاب الثاقب للشيرواني ص276، من لا يحضره الفقيه 3: 18/  3247،  خصائص الأئمة للشريف الرضي 85  و الوسائل للعاملي 27: 287/ 8.
([9]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 67-72.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.8358 Seconds