بقلم: أ.د علي خلف حسن السنيد
الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
نقلا عن موسوعة الإمام علي (عليه السلام) لمحمد جواد مغنية، ومن كتاب النشاط العملي، أشاد مؤلف الكتاب بالتجربة، وجعلها السبيل الوحيد لتقدم أي علم، ومضي الإنسان في طريق الاختبار والعمل المثمر، لأن العالم إذا حدثت له فكرة، وامتحن صحتها بالتجربة، تولد من تجربته فكرة ثانية لم تكن في حسبانه، ولدى اختبار الفكرة الثانية بالتجربة تتولد فكرة ثالثة، وهكذا إلى ما لانهاية من الأفكار.
لقد لخص الإمام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة بقوله ((في التجارب علم مستأنف))([1])، أي إن التجربة ليست سببا» لعلم فقط بل تنتقل بصاحب التجربة من علم إلى علم، وإذا حصر الفلاسفة التجريبيون سبب المعرفة بالتجربة، فان الإمام (عليه السلام)، قد ربط بين النظريات الحديثة وبين التجارب، فهو حقا» واضع الطريقة التجريبية للعلوم الطبيعية، وهو بذلك يسبق «بيكون» قرونا والذي نسب إليه الغربيون وضع الطريقة التجريبية.
من مقاله إلى الأستاذ غالب حسن الشاهبندر تحت عنوان ((ثراء العلم بالتجربة))([2]) أنقل ما يناسب الموضوع:
العلم في القانون ليس صورة الشيء في الذهن كما يعرف المنطق العلم، وان كان يستلزم ذلك بشكل وأخر، العلم هنا قوانين علمية وفكرية واجتماعية، في أي مجال من مجالات العلوم والفنون والآداب. ولكن ما هو توجيه مستأنف؟ انه علم ولكن بقيد أو صفة مميزة، انه علم مستأنف أي جديد، لم يكن سابقا، كان خفيا والآن ظهر بسبب التجربة. ولكن جديد بالنسبة لمن؟ يقول صاحب المقـالة، أنه جديد فـي مضمار العلم ذاته، إنـه علم جديد ليس لمكتشفه ولا للمجتمع، ولا للعلماء، بل للعلم ذاته، لتاريخ العلم، معلومة جديدة تماما»، ربما تقلب المعلومات السابقة رأسا على عقب، انه علم مستأنف، لم يكن بالمرة والآن تمظهر للعيان، للعقل، للفكر، لتاريخ العلم. العلم يتسع ويتعمق بعد مخاض التجربة. فهل يغرينا هذا القانون بالقول إن تاريخ العلم عبارة عن تجارب؟ إن تاريخ العلم عبارة عن علوم مستأنفة، كل تجربة علم مستأنف، حتى وان كان المستفاد من التجربة علما خطأ، فالعلم هو ما يصل إليه العلماء مهما كانت درجة صحته من درجة خطأه. التجربة علم مستأنف سواء أثبتت أمرا» أو نفت هذا الأمر، فهو علم وعلم جديد، علم يدشن تاريخ العلم بمفصل جديد من تطور العلم ذاته. ولكن هل يعني هذا إن كل علم مستأنف تجريبي؟ كلا بطبيعة الحال.)(([3])).
الهوامش:
([1]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد – حكمة 34 – ص216.
([2]) صحيفة المثقف، العدد 1870، 5/9/2011.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 80-82.