1 ــ الناكثون: وهم طلحة والزبير وعائشة ومن اتبعهم.
2 ــ القاسطون: وهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومن تشيع لهم.
3 ــ المارقون: وهم الخوارج أشياع عبد الرحمن بن ملجم وغيره.
وهذا يستلزم تتبع دقيق لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته وهديه كي يتمكن المسلم من النجاة وإتباع السبيل الذي ارتضاه الله تعالى، ولذلك نجده (عليه السلام) اتخذ منهجاً لهذه المرحلة الحساسة في مصير الأمة الإسلامية من خلال الأمور الآتية:
ألف: تذكيره (عليه السلام) بسمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهديه وسيرته
أي تنقية الرواية الصحيحة من السقيمة والسُّنة من البدعة، مبتدئاً بعمود الدين، وهي الصلاة فنادى الصلاة جامعة، فصفهم في مسجد الكوفة وفيهم جمع من أهل بدر وحنين كعمار بن ياسر وأبي بن كعب وغيرهما ممَّا لا حصر لهم في هذا الموضع من البحث ــ وصف معهم أهل الكوفة فصلَّى بهم، فكانت النتيجة لهذه الصلاة مدونة في صحاح المسلمين ومساندهم وعلى لسان مطرف بن الشخير قائلا: ((كنت مع عمران بن حصين بالكوفة فصلى بنا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فجعل يكبر كلما سجد، وكلما رفع رأسه، فلما فرغ قال عمران: صلى بنا هذا مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم))(1).
وفي رواية، أنه قال:
((فلما انصرفنا قال عمران: ما صليت منذ حين أو قال منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الصلاة، يعني صلاة علي رضي الله تعالى عنه))(2).
وفي لفظ آخر أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن مطرف، قال:
((صليت أنا وعمران صلاة خلف علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما سلم أخذ عمران بيدي فقال: لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو قال: لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم))(3).
والسؤال الذي يفرض نفسه في ساحة البحث: إذا كان المسلمون قد نسوا كيف هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي من المفروض أنها تصلى في اليوم خمس مرات، فكيف بهم يتذكرون بقية سنته وسيرته وأفعاله وأقواله!؟.
وأنَّى لهم ذلك وسنته قد أمر بها الشيخان أبو بكر وعمر، فأحرقت، ومحيت، ومنعت من التدوين، ولذا؛ كان لزاما على علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعيد السنة والسيرة النبوية إلى مسارها الصحيح، وأنْ تدون هذه السيرة الصحيحة بعد أن أحرقت ومحيت وغيرت، وممَّا يدل على أنَّها غيرت وبدلت ولم يبق منها شيء سوى التي أخرجها أهل البيت (عليهم السلام) إلى الناس ما يأتي:
1 ــ روى مالك بن أنس ــ إمام المذهب المالكي ــ عن عمه سهيل بن مالك، عن أبيه، أنَّه قال: ((ما أعرف شيئا مما أدركت الناس عليه إلا النداء للصلاة، أي: الأذان))(4).
2 ــ أخرج الشافعي عن طريق وهب بن كيسان، قال: رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثمَّ قال: ((كل سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد غيرت حتى الصلاة))(5).
3 ــ قال الزهري ــ وهو الذي تنسب إليه أوائل تدوين السيرة النبوية ــ: ((دخلنا على أنس بن مالك بدمشق وهو وحده يبكي، قلت: ما يبكيك!؟.
قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وقد ضيعت))(6).
4 ــ قال الحسن البصري: ((لو خرج عليكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عرفوا منكم إلا قبلتكم))(7).
5 ــ وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنَّه قال: ((لو أنَّ رجلين من أوائل هذه الأمة خلو بمصحفيهما في بعض الأودية، لأتيا الناس اليوم، ولا يعرفان شيئا ممَّا كانا عليه))(8).
6 ــ وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال:
((لا والله، ما هم على شيء مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا استقبال القبلة فقط))(9).
7 ــ وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
((لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه))(10).
وممَّا قام به أمير المؤمنين (عليه السلام) في تطوير علم السيرة هو:
باء : تذكيره بحال العرب قبل مبعث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
إنّ مما قام به الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو تذكير الصحابة بما قام به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهود عظيمة لتغييرهم وتعليمهم، أي إعادة تسجيل هذه السيرة في أذهان الناس، وهم الصحابة الذين قدموا معه إلى الكوفة، مع أخباره أهل الكوفة بتفاصيلها، بوصفهم كانوا الأبعد جغرافيا عن المدينة المنورة، فكان من خطبه في إحياء السيرة النبوية وتذكيره بحال العرب قبل الإسلام وبعده ما يأتي:
1 ــ قال (عليه السلام):
«وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالآثَامُ فيكُمْ مَعْصُوبَةٌ»(11).
2 ــ وقال (عليه السلام):
«بَعَثَهُ ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وَالنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَةٍ، وَحَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيَاءُ، وَاسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلاَءُ، حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ الأَمْرِ، وَبَلاَءٍ مِنَ الْجَهْلِ»(12).
3 ــ وقال (عليه السلام):
«أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ، وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الأُلْفَةِ الَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا، وَيَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا، بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ.
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ إِلاّ اسْمِهِ وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الإِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ»(13).
وفي نهجه لبيان سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه قد اتخذ في ذلك أسلوبين:
الأسلوب الأول: إظهار منزلته وقربه ومعرفته برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي بمعنى: إرجاع الناس إلى المصدر العلمي والدقيق والوافي عن كل ما يتعلق بحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته. فيقول (عليه السلام):
«وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ»(14).
وقال (عليه السلام):
«وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ»(15).
ثانيا: إظهار ما يتعلق بشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن كان فطيما، ثم تعبده في غار حراء، ثم بعثه، ثم تبليغه رسالته صلى الله عليه وآله وسلم وما جرى بينه وبين المشركين، فيقول (عليه السلام):
«وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ»(16).
وقال (عليه السلام):
«وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ ولاَ يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟.
فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ. إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ وَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ»(17).
وفي جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الرسالة فيقول (عليه السلام):
«وَلَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا أَتَاهُ الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ، وَنَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَأَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ.
فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: وَمَا تَسْأَلُونَ؟
قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ.
فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ، وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ(18)، وَمَنْ يُحَزِّبُ الأَحْزَابَ(19).
ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ.
فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مُرَفْرِفَةً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي، وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا ــ عُلُوّاً واسْتِكْبَاراً ــ فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيّاً، فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم. فَقَالُوا ــ كُفْراً وَعُتُوّاً ــ فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ، فَأَمَرَهُ صلى الله عليه وآله وسلم فَرَجَعَ.
فَقُلْتُ أَنَا: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ، إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَإِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ.
فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ: بَلْ ساحِرٌ كَذَّابٌ، عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ، وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا (يَعْنُونَنِي) وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ، وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ الأَبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّيْلِ وَمَنَارُ النَّهَارِ، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ، يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ، لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ولاَ يَعْلُونَ، ولاَ يَغُلُّونَ ولاَ يُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وَأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ»(20).
إذن؛
لم تكن مدرسة الكوفة تمثل ثقافة القبيلة والأنساب فقط، وإنما شهدت مرحلة متقدمة من مراحل تطور علم السيرة النبوية مما شكل مفاجأة للمدارس الإسلامية الأخرى، ولاسيما مدرسة الشام، فحينما ألف محمد بن الحسن الشيباني العراقي في السير، وعلم الأوزاعي الدمشقي بذلك صاح محتجا ومعترضا: (ما لأهل العراق والتصنيف في هذا الباب؟ فإنه لا علم لهم بالسير!!)(21).
وحينما علم الشيباني بالكلمة وكان كتابه (السير) صغيراً، وهو أساس في الفقه، فكتب كتاب (السير الكبير) الذي حوى مع الفقه الأخبار والمغازي والفتوح، ويمكن أن يعد أول كتاب في بحث العلاقات الدولية(22).
ولقد لعبت الأوضاع السياسية والمذهبية دورها في حجب دور مدرسة الكوفة وقدرتها العلمية في جميع العلوم؛ ولاسيما علم السيرة، مما شكل نقطة فراغ في المادة البحثية للعديد من الدراسات التاريخية.
((الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد, شيخ كتاب السيرة محمد بن اسحاق إنموذجاً, دراسة في نشأة علم السيرة النبوية وتطوره خلال القرنين الاول والثاني للهجرة, تأليف السيد نبيل الحسني, ص201-210)).(بتصرف)
([2]) مسند أحمد بن حنبل: حديث عمران بن حصين، ج 4، ص 429. مصنف الصنعاني لعبد الرزاق الصنعاني: باب التكبير، ج 2، ص 63، ح 2498.
([3]) صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب المكث بين السجدتين: ج 1، ص 200. صحيح مسلم: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ج 2، ص 8. سنن أبي داود: باب تمام التكبير، ج 1، ص 192. سنن النسائي: باب الاعتدال في الركوع، ج 2، ص 204.
([11]) نهج البلاغة، محمد عبده: من خطب الإمام علي (عليه السلام)، ص 66. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 18، ص 226، ح 68. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج2، ص19.
([12]) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج 1، ص 186، برقم 95. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 18، ص 219، ح 51. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 7، ص 66، برقم 94.
([13]) نهج البلاغة: من خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج 2، ص 154. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 14، باب 31، ص 474. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج13، ص 179.
([14]) نهج البلاغة، من خطب الإمام علي (عليه السلام)، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. شرح أصول الكافي لمولى محمد صالح المازندراني: ج 2، ص 298. العمدة لابن البطريق: ص تقديم10.
([15]) نهج البلاغة: من خطب الإمام علي (عليه السلام)، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. العمدة لابن البطريق: ص11. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس: ص 415.
([16]) نهج البلاغة: من خطب الإمام علي (عليه السلام)، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 2، ص 28. الغدير للشيخ الأميني: ج 3، ص 240.
([17]) نهج البلاغة: من خطب الإمام علي (عليه السلام)، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. نهج السعادة للشيخ المحمدي: ج 7، ص 145. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 13، ص 197. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 14، ص 475، باب 31.
([18]) القليب: البئر، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما ستؤول إليه نهايتهم في معركة بدر الكبرى، فقد أسّر المسلمون منهم مجموعة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بـ(21) مشركا فقتلوا وألقوا في القليب، أي البئر، ومنهم عقبة بن أبي معيط.