أسباب وعوامل انحطاط المجتمع في فكر الامام علي (عليه السلام)، (الجهل أنموذجا)

مقالات وبحوث

أسباب وعوامل انحطاط المجتمع في فكر الامام علي (عليه السلام)، (الجهل أنموذجا)

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-06-2018

أسباب وعوامل انحطاط المجتمع في فكر الامام علي (عليه السلام)

(الجهل أنموذجا)

 

الشيخ سجاد عبد الحليم الربيعي

 

الحمد لله حمدا كثيرا والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله الميامين مصابيح الدرر وعلى صحبه المنتجبين.

أما بعد

فقد عزا أميرالمؤمنين ((u قضية نشوء الانحطاط الفكري والاخلاقي في المجتمع الى الأدوار التخريبية التي تسود في أذهان الناس كالجهل وما يترتب عليه من عدم المعرفه في حياة الإنسان  لاسيما جهل الأمم والقبائل غير الواعية أو الجهل المقترن  بظلم الناس من قبل الحكام المستبدين الذين يمارسون السلطة بالقوة والقهر.

يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة  عامل الجهل بوصفه أحد العوامل الرئيسة في سقوط الإنسان وعدم استقراره, يقول(عليه السلام) (عباد الله لا تركنوا إلى جهالتكم، ولا تنقادوا لأهوائكم، فإن النازل بهذا المنزل  نازل بشفا جرف هار، ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع)[1].

وهذه الحال سارية حتى بعد انتهاء حكم الثاني في أثناء تشكيل الشورى للخلافة  المغصوبة, إذ إن تلك الأوضاع المتشنجة ناجمة عن الجهل وعدم المعرفة, يقول في موضع آخر من النهج داعيا الآخرين إلى طاعته: (لن يسرع أحدٌ قبلي إلى دعوة حقّ، وصلة رحم، وعائدة كرم، فاسمعوا قولي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضى فيه السيّوف، وتخان فيه العهود، حتى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة)[2].

يشير (عليه السلام) الى وقائع الشورى, ويسلط الضوء من خلال كلامه على مصلحة الأمة، ويحذرهم من اتباع الهوى والنتائج المترتبة عليه، ويوضح لهم بأنه أحق الناس بالخلافة لسبقه إلى الإسلام وجهاده في سبيل الله، بالإضافة إلى سائر فضائله، ومنها  علمه الذي ورثه  عن رسول الله ((a, ثم يقول لهم أنتم الآن على مفترق طريقين: طريق الاخلاص والنصح للاسلام والمسلمين، وطريق الغش والخيانة له ولهم، فإذا صرفتم الحق عن أهله، ومال أحدكم لصهره، وآخر لحقده، وثالث لطمعه طمح إلى الخلافة غير أهلها وقامت الحروب بين المسلمين، وافترقت أمة محمد (a) إلى مذاهب وشيع، وتصدى بعضكم للإمامة، وتبعه الأجلاف والسفلة، وتحدث فتنة يبقى أثرها مدى الدهر [3].

وجاء في كتاب: « العقد الفريد »: أن معاوية قال: لم يشتت أمر المسلمين، ولا فرق أهواءهم، ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر... فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه، ورجاها له قومه، وتطلعت إلى ذلك نفسه[4]. فنقد علي (عليه السلام) هذه السياسة الملتوية وحذر منها, قائلا (u) (ألا فالحذر الحذر ، من طاعة ساداتكم وكبرائكم، الَّذين تكبّروا عن حسبهم، وترفّعوا فوق نسبهم، وألقوا الهجينة على ربّهم، وجاحدوا اللَّه على ما صنع بهم، مكابرة لقضائه، ومغالبة لآلائه. فإنّهم قواعد أساس العصبيّة، ودعائم أركان الفتنة، وسيوف اعتزاء (أي تفاخر) الجاهليّة)[5].

لقد عايش الإمام علي(عليه السلام) الدعوة الإسلامية، وأسهم فيها بشكل فعال على الرغم مما شهدته من انقلابات وفتن كان سببها الرئيسي الجهل، إذ أصبح الخليفة الشرعي في أحرج ظروف شهدتها الأمه الإسلامية وأخطر مدة مرت بها الدولة الإسلامية.

وأخيرا يذكر (عليه السلام) في خطبة له تسمى بالقاصعة: أن الجهل من العوامل الرئيسية في تفتيت الوحدة ونشوب الفتن, وينظر إلى أن الفتنة والتفرقة بين الأمة الواحدة أمر ناجم عن الاحتكام الى الجهل وعدم المعرفة (ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم، بأحكام الجاهلية)[6].

فلقد تصدى(عليه السلام) لإنقاذ الأمة من الجهل والانحراف بكل ما عرف عنه من سعة في العلم وصلابة في الدين وسمو في الروح الإنسانية، فبيّن للناس علما وعملا أسباب انهيار الأمم وانطفاء شرارة عطائها وانهيار أنظمتها، ومن جانب آخر بيّن أسباب تماسكها ونجاحها.

الهوامش:

[1] ـ  نهج البلاغة, خطب الإمام علي ( ع ), 1 /202 .

[2]ـ  نهج البلاغة, تحقيق صبحي الصالح , 196 , خ 139 .

[3] ـ  ينظر: في ظلال نهج البلاغة, محمد جواد مغنية , 2 /302 .

[4]ـ العقد الفريد, ابن عبد ربه الاندلسي, 5 / 31, ط 1953.

[5]ـ  نهج البلاغة, تحقيق صبحي الصالح , خ 116 .

[6] ـ نهج البلاغة, خطب الإمام علي ( ع ), 2 /154 .

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2619 Seconds