عمَّار حسن الخزاعي
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أزكى الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين...
لم تكن قضية كربلاء وليدة لحظة أو صدفة وإنَّما كانت مرحلة قد خطَّط لها الخالق العظيم منذ الأزل، وقد اختار شخوصها قبل أن يُخلقوا، ثمَّ بشَّر بها أنبياؤه تعالى، فكان كلُّ نبيٍ يمرُّ بكربلاء يؤشِّرُ فيها على الحدث العظيم الذي سيقعُ بها، ويُخبر عن بعض تفاصيلها، وقد احتوت بعض الكتب السماوية على بعض تفاصيل كربلاء وما يجري فيها كما في التوراة والإنجيل([1]) . حتَّى أصبحت حادثة كربلاء جزءًا من الثقافة الدِّينية الراسخة في الأذهان، فقد ورد عن رأس الجالوت قوله: ((كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي فكنت إذا دخلتها ركضت فرسي حتى أجوز عنها فلما قتل حسين جعلت أسير بعد ذلك على هيئتي))([2])
ولو تقدَّمنا إلى نبوة الخاتم (صلى الله عليه وآله) وجدناه في نصوص كثيرة يذكر حادثة كربلاء ويؤسِّس لبعض طقوسها، وممَّا ذُكر بهذا الصدد ما ورد ((عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَيْتِي، فَقَالَ: «لَا يَدْخُلْ عَلَيَّ أَحَدٌ» . فَانْتَظَرْتُ فَدَخَلَ الْحُسَيْنُ [صلوات الله عليه]، فَسَمِعْتُ نَشِيجَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي، فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا حُسَيْنٌ فِي حِجْرِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا عَلِمْتُ حِينَ دَخَلَ، فَقَالَ: \ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: تُحِبُّهُ؟ قُلْتُ: أَمَّا مِنَ الدُّنْيَا فَنَعَمْ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُ هَذَا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كَرْبَلَاءُ \. فَتَنَاوَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ تُرْبَتِهَا، فَأَرَاهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُحِيطَ بِحُسَينٍ حِينَ قُتِلَ، قَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلَاءُ. قَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، أَرْضُ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ))([3]) .
وعندما آلت الأمور إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) صار يذكِّر بقضية كربلاء وما يجري فيها من أحداثٍ جسام، وقد ذكر ذلك في أكثر من موضع، وخصوصًا في طريقه إلى صفِّين إذ تذكر الروايات أكثر من حادثةٍ له في ذلك الموضع يُذكِّر بها بحادثة كربلاء، وممَّا جاء في ذلك:
عَنْ كُدَيْرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: ((بَيْنَا أنا مَعَ عَلِيٍّ بِكَرْبِلَاءَ بَيْنَ أَشْجَارِ الْحَرْمَلِ أَخَذَ بَعْرَةً فَفَرَكَهَا ثُمَّ شَمَّهَا ثُمَّ قَالَ: لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْمًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ))([4])
وعن هرثم الضبي قال ((أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل ثم أخذ كفا من بعر الغزلان فشمه ثم قال أوه أوه يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب))([5])
وعن عامر الشعبي قال ((قال علي [عليه السلام] - وهو على شاطئ الفرات-: صبرًا أبا عبد الله . ثمَّ قال: دخلت على رسول الله [صلى الله عليه وآله] وعيناه تفيضان. فقلت: أحدث حدث؟ فقال: أخبرني جبريل أن حسينًا يقتل بشاطئ الفرات. ثم قال: أتحب أن أريك من تربته؟ قلت: نعم. فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفي. فما ملكت عيني أن فاضتا))([6])
وعَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) ((قَالَ: لَيُقْتَلَنَّ الْحُسَيْنُ قَتْلا، وَإِنِّي لأَعْرِفُ تُرْبَةَ الأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، يُقْتَلُ بِقَرْيَةٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّهْرَيْنِ.))([7])
وعن أبي جحيفة قال عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ((قال: نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى علي . فأتيته بكربلاء: فوجدته يشير بيده ويقول: هاهنا هاهنا . فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم . فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال: ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار))([8])
وعن الحسن بن كثير عن أبيه: ((أن عليًا [عليه السلام] أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء . قال : ذات كرب وبلاء . ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم))([9]) .
هذا نزرٌ يسير ممَّا ورد من أخبار عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكر حادثة كربلاء وما جرى فيها من مصائب على أهل البيت (عليهم السلام)، ومجمل ما ذُكر من أحاديث نستطيع أن نقول عنها إنَّها جاءت تهدف إلى إرشاد الأمَّة إلى ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل أن تقف معه وتناصره، وهذه الأحاديث بمثابة لافتات دالة للمسلمين وغيرهم تدلُّهم إلى الطريق المستقيم، وتنبههم إلى جهة الحقِّ ليكونوا معها وإلى جانبها، وليتهم وعوا هذه اللافتات، وتمسَّكوا بمضامينها، ولكنَّهم صمَّوا آذانهم عنها فلم يتأهلوا إلى السير بركبها إلَّا النزر اليسير، وهذا الأمر جارٍ إلى الوقت الحاضر، إذ نجد من يُمجِّد بني أُميَّة ويمدح قتلة الحسين (عليه السلام) على جهلٍ أو معاندةً مع الحقِّ على الرغم من كثرة اللافتات التي تُشير إلى أحقِّية كربلاء وبطلان ما يُعارضها، ونحن في هذه المقالة لم ننقل إلَّا من مصادر أهل السُّنة علَّهم ينتبهوا إلى ما في كتبهم من أجل أن يُعيدوا صياغة أفكارهم بما تحمل تلك الكتب من معطيات .
الهوامش:
([1]) ينظر: إزابيلا بنيامين، صفحة على الفيس بوك، وهي باحثة في علم اللاهوت من الديانة المسيحية، وقد استدلت بأقوال كثيرة من التوراة والإنجيل، تُثبت الإشارة إلى كربلاء وما يجري فيها من قبيل ذبيح الفرات وغيرها .
([2]) تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 هـ - 1995 م: 14/200
([3]) المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية – القاهرة، الطبعة: الثانية (د ت): 3/108 .
([4]) معجم ابن الأعرابي، أبو سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري الصوفي (المتوفى: 340هـ)، تحقيق وتخريج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م: 2/738 ، تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 هـ - 1995 م: 14/199 ، بغية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)، تحقيق: د. سهيل زكار، دار الفكر: 6/2603
([5]) تاريخ دمشق: 14/198 – 199 .
([6]) الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الخامسة في من قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أحداث الأسنان]، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230هـ)، تحقيق: محمد بن صامل السلمي، مكتبة الصديق – الطائف، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م: 1/430
([7]) تاريخ دمشق: 14/199 ، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م: 2/627
([8]) وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري (المتوفَّى : 212 هـ)، تحقيق : تحقيق وشرح : عبد السلام محمد هارون، المطبعة : المدني – مصر، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة : الثانية، 1382 هـ: 141
([9]) وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري (المتوفَّى : 212 هـ)، تحقيق : تحقيق وشرح : عبد السلام محمد هارون، المطبعة : المدني – مصر، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة : الثانية، 1382 هـ: 141