الباحث: الشيخ سجاد الربيعي.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين وعلى الأئمة الهادين المهديين، وأتم التسليم على الحبيب المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد
سجل التاريخ الإسلامي صفحات من نور على يد أشرف موجود بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) قائد شجاع هو وأصحابه الميامين.
ولكي لا نغفل عن دور المرآة وتاريخها في نهضة عاشوراء، وحضورها المميز في هذه الملحمة البطولية، والدور الذي لعبته المرآة في حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الاصلاحية في كربلاء وما بعدها، يرسم لنا صورة لواقع الاسلام المحمدي الاصيل، يكشف لنا الشخصية الحقة للمرآة، في قبال التزوير وفضح شخصية يزيد وكشف القناع عن قبح أفعال بني أمية.
ثم يضيف تعالى : ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا))[1] و من الطبيعي جدا أن نرى أبناء الحزب الأموي ـ الذين هم ثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن- قد اتفق العام والخاص على أنهم أفسد وألعن وأقبح ما خلق الله على البسيطة، وأوطأ الناس حسبا ونسبا. كيف لا وهم أبناء ذاك اللعين معاوية بن أبي سفيان الذي لعنه الله ورسوله مرارا وتكرارا هو وابناؤه الذين عاثوا في الأرض فسادا وافسادا ـ يدافعون عن تلك الشجرة الخبيثة اللئيمة التي آذت النبي وآل النبي (صلى الله عليه وآله)، والذي وصفهم الإمام علي (عليه السلام) بقوله (أَوَلَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفي أَوَمَا وَزَعَ الْجُهَّالُ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي؟! وَلَمَا وَعَظَهُمُ اللهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَاني)[2].
فالمرأة لها دور فعال في قضية الامام الحسين(عليه السلام)، ويمكن توضيح دورها في المجتمع الانساني، ولا سيما في الحركة الحسينية السياسية والاجتماعية العامة، ولا يقل دورها عن دور الرجل فيها ولا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الخصوصيات التي يتميز بها الإمام الحسين (عليه السلام) كإمام مفروض الطاعة وله مواصفات خاصة لا يمكن أن يشبهه فيها أحد من الناس، كما أدت المرأة في المجتمع الإسلامي دوراً رائعاً بفضل إيمانها بالعقيدة الإلهية، فإن نموذج المرأة التي اشتركت في واقعة الطف كانت قد بلغت القمة في ذلك الدور وتألقت في آفاق الإنسانية لتُخلَّد بخلود الموقف، وأصبحت هذه الملحمة البطولية المثل النسوي الذي جسد المبادئ الإسلامي، ويظهر هذا الدور جليا عندما اصطحب الإمام الحسين (عليه السلام) النساء الى كربلاء، إذ يكشف لنا حقيقة من حقائق النسوة في هذه البقعة المباركة. وهذا الدور لا يمثل دورا قتاليا بمعنى خوض المعارك العسكرية في المواجهة الامامية, بل حملن الرسالة بآفاقها وأهدافها ومناهجها العظيمة ليكون دورهن شاهدا حقيقيا يرسم تلك المعالم من حكمة حمل الإمام الحسين عليه السلام حرمه معه، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله في رؤياه الصادقة قبيل خروجه من المدينة لقد شاء الله أن يراهن سبايا[3].
إن عبارة (شاء الله) لها أبعاد على المستوى الغيبي والتقدير الإلهي، فالمشية الالهية قد تكون مشية حتم كمشية الله سبحانه وتعالى لخلقنا معناها أن الله يضع الأسباب ومسبباتها إذا أراد الناس أن تنتصر ومن أسباب انتصار كربلاء وجود من يكمل مسيرة كربلاء، وهو العنصر النسوي المتمثل بالسيدة زينب (عليها السلام)، إذ يتلخص بثلاث محطات أساسية تمثل المرآة النظرية الإسلامية الحسينية، من يوم شهادة الإمام الحسين إلى قيام القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وهي:
الدور التوضيحي: بيان أهداف النهضة في النظرية الاسلامية وتطبيقاتها آيدلوجيا، عبر شرح الاسلام وبيان تعاليمه الحقة.
الدور التكميلي: إن للمرآة في عاشوراء وما بعدها دورا تكميليا رساليا تلعبه المرآة في المجتمع عبر إبراز فهمها ومنطقها الرسالي في رفض الظلم والانتصار للحق.
الدور التتميمي: المرأة في حركة الامام الحسين (عليه السلام) شريك أساسي في الحفاظ على انجازاتها، وحضورها في كربلاء لم يكن ناشئًا من الصدفة أو أمر طارئ بل ضمن التخطيط الاستراتيجي الذي اتخذه الإمام الحسين (عليه السلام)، ليبين للعالم بإن المرآة لها دور في صناعة القرار والدفاع عنه.
هذه الأدوار الثلاثة هي التي جعلت للمرأة في كربلاء هذه الإشراقة المستمرة، فدور المرآة في نهضة عاشور أساسي تحقيقي ينبثق من معالم النظرية الإسلامية التي من أجلها استشهد الإمام (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم).
الهوامش:
[1] سورة الإسراء، الآية: 60.
[2] شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2 /206.
[3] ينظرمختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي/132.