البَاحث: سَلَام مَكيّ خضَيّر الطَّائيّ.
الحمد لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللعن الدَّائم على أعدائهم ومبغضيهم وناكري حقّهم ما بقيت وبقي الليل وانَّهار إلى قيامِ يوم الدِّين.
أمَّا بعد...
فإن النَّاس ذو أصنافٍ عديدة فمنها: من يحمل الصّفات الحسنة ومنها من يغويه الشيطان على أن لا يكون مخلصاً كل الإخلاص في عمله، وغيره من الأصناف الأخرى، وإنَّ موضوعنا هذا يركّز على الصنف أو الفئة التي تكون أفضلها جميعاً والتي سنتعرّف عليها عن طريق كلام أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، فيروى عنه أنّه قال: (أفضل النَّاس أنفعهم للنَّاس)[1]، أي إنّ أفضل النَّاس من كان صاحب منفعة إلى أبناء جنسه، كمساعدتهم على فعل الخير مثلاً، والوقوف معهم في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وأن يبيّن لهم حدود الله عزَّ وجلّ، بالإضافة إلى الأشياء الأخرى التي يستطيع تقديمها إليهم ومساعدتهم فيها، وكذلك إنَّ من أنفع النَّاس من كان مادًّا يد العون وكان سخيّاً كريمًا، ولا يبخل فيما لديه كإقراء الضيف ومساعدة المحتاج، فقال الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (أفضل النَّاس السَّخي المُوقن)[2].
وأيضاً أنَّه روي عن أبي عبد اللَّه جعفر بن مُحَمَّد الصَّادق (عليهما السَّلَام) قال: قال رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أفضل النّاس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدّنيا على عسر أم على يسر)[3]، فنفهم من هذا الكلام أن أفضل النَّاس من كثر ذكره وعبادته لله تعالى وكان متعلّقاً في تلك العبادة ومخلصاً فيها من أجل إرضاء الله تعالى لا من أجل فعل الرّياء أو من أجل شيء آخر، ولا يهتم لأمور الدّنيا الفانية ولا إلى ما يحدث له من عسر أو يسر، فإن كان الإنسان المسلم المؤمن هكذا، فهو من (أفضل النَّاس).
وبالإضافة إلى ما تقدَّم من كلام يختص بمن هو(أفضل النَّاس)، إنَّه لابد للفرد أن يبتعد هواه ويخالف نفسه وما تطلبه منه وما تهوى إليه وجاهدها فيما يرضي الله عزَّ وجل ورسوله الكريم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وآل بيته الأطهار (عليهم السَّلَام)، وثم ينال مرتبة الأفضلية بين النَّاس، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (أفضل النَّاس من جاهد هواه)[4]، وإنَّه أيضاً من كان يحمل صفة (أفضلُ النَّاس) لا بد من تكون نفسه زاهدة ومتنزَّهة وبعيدة كلّ البعد عن فعل المحرمات والموبقات، فقال (عليه السَّلَام): (أفضلُ النَّاس تنزَّهت نفسه وزهِدَ في غِنيْةٍ)[5]، وكذلك من كان حليماً ومتزناً في تصرّفاته مع الآخرين وكاظماً لغيضه، فهذا أفضل النَّاس بدليل قول الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (أفضلُ النَّاس مَنْ كَظَمَ غيْظَه وحَلُمَ عن قُدْرَةٍ)[6].
وأيضاً أن من كان ممتلكاً لصفة (أفضل النَّاس)، هو من كان منشغلاً بعيوبه عن معايب النَّاس، وذلك لأنّ كلّ فرد من الأفراد غير معصوم من الخطأ ولكن باستطاعته بقوّة إيمانه أن يسيطر عن نفسه ويمنعها من فعل ما تأمره به، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (أفضل النّاس من شغلته معايبه عن معايب الناس)[7].
فبهذا القدر من الحديث نكون قد وفقنا إن شاء الله تعالى إلى رسم صورة في ذهن القارئ الكريم لمعرفة من هم (أفضل النَّاس).
وأن الحمد لله ربّ العالمين أولاً وآخراً واستغفر الله ربِّ من كلّ ذنب أذنبته إنه سميعٌ مُجيب، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمُرسلين أبي القاسم مُحمَّد وآله الغرّ الميامين المنتجبين، واللعن الدَّائم على مبغضيهم وناكري مكانتهم ومغتصبي حقّهم ما بقيت وبقي الليل والنَّهار إلى قيامِ يومِ الدّين.
الهوامش:
[1] عيون الحكم والمواعظ، لعَلِيّ بن مُحمَّد الليثي الواسطي: 118.
[2] غر الحكم ودُرر الكلم، لعبد الواحد الآمدي التميمي: 45.
[3] الوافي، للفيض الكاشاني: 4/355.
[4] سرّ الأسراء في شرح حديث المعراج، للشيخ عليّ سعادت پرور: 1/474.
[5] غر الحكم ودُرر الكلم، لعبد الواحد الآمدي التميمي: 45.
[6] موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السَّلَام)، للشَّيخ هادي النَّجفي: 9/348.
[7] عيون الحكم والمواعظ، لعَلِيّ بن مُحمَّد الليثي الواسطي: 121.