السَّيّدة زينب (عليها السَّلَام)

مقالات وبحوث

السَّيّدة زينب (عليها السَّلَام)

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-03-2019

السَّيّدة زينب (عليها السَّلَام)

 

الباحِث: سَلَام مَكيّ خضيّر الطَّائِيّ.

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلقِ والمرسلين أبي القاسمِ مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين، واللّعن الدَّائم على أعدائهم ومبغضيهم ومغتصبي حقوقهم إلى قيامِ يوم الدِّين.

 

أمَّا بعد...

 

فإن في العالم الإسلامي العديد من الشّخصيَّات النسائيَّة التي كان لها أدوار مُشرِّفًة في الحياة، ومن هذه الشَّخصيَّات النّسائيَّة الإسلامية الفذَّة: (السَّيِّدة زينب الكبرى بنت الإمام عَلِي بن أبي طالب عليهما السَّلَام)، فهذه المرأة من النّساء التي أخذت حيزًا كبيرًا في الوسط الإسلامي، لما قامت به من أدوار قيادية وغيرها، فكانت خير امرأة يقتدى بها من قبل النّساء من بعد أمّها فاطمة الزَّهراء (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) سيّدة نساء العالمين بنت رسول الله مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، فكانت امرأة قيادية مؤمنة صابرة شجاعة.

 

حالتها الاجتماعيّة (عليها السَّلَام):

 

أولاً: أسمها ونسبها:

 

هي السَّيِّدة زينب بنت الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليهما السَّلَام) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، الهاشميَّة القرشيّة سبطة رسول الإنسانيَّة النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وأُمّها السَّيِّدة فاطمة الزَّهراء بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)[1].

 

ولادتها (عليها السَّلَام):

 

أمَّا ولادتها (عليها السَّلام) فكانت في  حياة جدِّها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وفي مدينته، فأشرقت الدّنيا بنورها (عليها السَّلَام) في الخامس من شهرِ جمادي الآخرة، في السَّنة الخامسة للهجرة، في بيتٍ تُتلى فيه آيات اللَّه والحكمة، وعاشت في كنف والديها المطهّريْن، وشملها كما شمل أخويها الحَسَن والحُسَين(عليهما الصَّلَاة والسَّلَام) من قبل عطف جدِّها(صلَّى الله عليه وآله) وحنانه، ولما توفي(صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، وأُمَّها فاطمة الزَّهرَاء (عليها الصَّلَاة والسَّلَام) التي كانت أوّل أهل بيته لحوقاً به، حظيت برعاية أبيها(عليه السّلام)، فتنسَمت عَرفَه، وسمعت حديثه وكلِمَه، ووعت مواقفه وبأسه، فانعكس ذلك كلّه على شخصيتها، فكان دورها (عليها السَّلَام) مشهورًا في طفّ كربلاء، وفي الكوفة والشام عند حضورها مجلس يزيد –لعنه الله[2].

 

زوجها وأولادها (عليهم السَّلَام):

 

إنَّ السَّيِّدة زينب (عليها السَّلَام) تزوجها ابن عمّها عبد الله بن جعفر الطَّيَّار بن أبي طالب بن عبد المطلب، فولدت له (عليها السَّلَام) عَلِيًّا وعونًا الأَكبر وعبَّاسًّا ومُحَمَّدًا وأُمُ كُلثُوم(عليهم السَّلَام)[3] .

 

دورها (عليها السَّلَام) في طف كربلاء:

 

إن تنشئتها (عليها الصَّلَاة والسَّلَام) في البيت المُحمَّدي العلوي، جعل لها شخصيّة فذة وقوية، فجاءت مع ركب أخيها الإمام الحُسَين (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) إلى طفّ كربلاء عام (61هـ)، فكان لها دور أساسيّ بارز في تلك المعركة بعد أخيها الإمام الحُسَين(عليه السَّلَام)، وإنَّ دورها (عليها السَّلَام) قد أكمل بعد أن أُستشهد أخيها الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) مع ثلَّة من أهل بيته وأنصاره (عليهم السَّلَام)، ففي هذه الأثناء ظهر ما كانت تخفيه (عليها السَّلَام) من مكنون قوّتها وصبرها وقيادتها للأحداث وقوَّة إيمانها، إذ خرجت من خيمتها (عليها السَّلَام) إلى ساحة المعركة، وهي تشق صفوف الجيش تفتش عن جثمان أخيها الامام العظيم (عليه السَّلَام)، ولم تخف أو تخشَ الأعداء –لعنهم الله- فلمَّا رأت (عليها السَّلَام) الجسد وهو قد قُطِّع بالسّيوف، وقفت عليه شخصت لها ابصار الجيش، واستحال إلى سمع فماذا تقول أمام هذه الخطوب المذهلة التي تواكبت عليها؟ فإنّها وقفت غير مدهوشة لم تذهلها الرّزايا التي تميد منها الجبال، فشخصت ببصرها إلى السَّماء، وهي تقول بحماسة الايمان وحرارة العقيدة[4]: (اللَّهم تقبَّل منا هذا القربان)[5]، بكلّ إيمانٍ وصبر حتى لا يشمت بها الأعداء، فكانت (عليها السَّلَام)، قد قاربت أُمّها فاطمة الزَّهراء(عليها السَّلَام) في الكرامات، والصّبر في النَّائبات، بحيث خرقت العادات، ولحقت بالمعجزات[6].

 

فاطلقت السَّيِّدة زينب(عليها السَّلَام) بذلك الأمر أَول شرارة للثَّورة على الحكم الأموي بعد أخيها (عليه السَّلَام)، وودّ الجيش أن تسيخ به الأرض فقد استبان له عظم ما اقترفه من الاثم في قتل ابن بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وسبي نسائه وأطفاله، وإنّه قد أباد عناصر الاسلام، ومراكز الوعي والايمان[7].

 

خطبتها (عليها السَّلَام) في الكوفة:

 

لما اقتربت سبايا أهل البيت (عليهم السَّلَام) إلى الكوفة خرجت الجماهير الحاشدة لاستقبال السَّبايا فخطبت فيهم عقيلة الوحي خطابًا مثيرًا ومذهلاً[8]، فمن خطبتها (عليها السَّلَام) التي خطبتها في تأنيب أهل الكوفة، فقالت (عليها السَّلَام): (ويلكم، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟)[9]، وإذا بالنَّاس حيارى وهم يبكون على ما اقترفوه من الجرم، وحينما انتهت إلى دار الامارة استقبلها الطاغية متشفيًا بأحط وأخس ما يكون التّشفي قائلا: (كيف رأيت صنع الله بأخيك؟) وانطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة وصمود فأجابته بكلمات النّصر والظَّفر قائلة: (ما رأيت إِلَّا جميلًا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أُمّك يا بن مرجانة)[10].

 

فيُلاحظ هنا موقفها البطولي والقيادي ودورها الكبير، وقوّتها الإيمانية وصبرها وشجاعتها عن طريق كلامها هذا وغيره، فغضب ابن زياد، فقال لها: (لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك، فردّت عليه قائلة (عليها السَّلَام) بشجاعة: ((لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت))، فقال ابن زياد: هذه سجاعة![11] ولعمري لقد كان أبوك سجاعًا شاعرًا، فردّت عليه مستفهمةً فقالت له (عليها السَّلَام): (يا بن زياد ما للمرأة والسَّجاعة؟)))[12].

 

خطبتها (عليها السَّلَام) في الشام:

 

 أمَّا خطبتها (عليها السَّلَام) في الشام، في مجلس يزيد –لعنه الله- فعند أخذ سبايا البيت المُحمَّدي إلى الشَّام كان للسَّيِّدة الجليلة زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السَّلَام) دور بطوليّ بارز، وموقف مشرّف في الرَّد على الظّلمِ والظَّالمين، جرَّاء ما حدث من مُصيبة هزَّت أركان الأرض والسَّماء، فوقفت السَّيِّدة زينب (صلوت الله وسلامه عليها) في وجه الطَّاغية يزيد وألقت خطبتها في مجلسه المشؤوم معبّرة عمّا يدور بداخلها من حزن وألم على فقد ثلّة من البيت العلوي وما حلَّ بنّسائهم وأطفالهم من أسر وعذاب وغيره، فكانت (عليها السَّلَام) بخطبتها الثَّورية هزَّت عروش الدَّولة الأمويَّة الطاغيَّة، فنورد بعضًا منها، فقالت (عليها السَّلَام): (الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه كذلك حيث يقول: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾[13]، أ ظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السَّماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء، إن بنا هوانًا على الله وبك عليه كرامةً، وإن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورًا حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا لا تطش جهلًا، أنسيت قول الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[14]؟)[15]، فكانت (عليها السَّلَام) تأنب يزيد –لعنه الله- وتذكّره بعذاب الله تعالى له يوم الورود، وإنَّ قوَّته وجبروته لم يدُم طويلًا، فلا بد من مجيء اليوم الذي يهلك فيه، فكانت تخاطبه ببسالة وشجاعة مُحمَّديَّة علوية، وذكّرته أيضاً بمكانة حرائر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وأسرهن وسبيهن وترحالهن من بلد إلى بلد، وإمائه مخدرات، فنادته بحرقة وألم  تسأله: (أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد)[16].

 

وفاتها (عليها السَّلَام):

 

في الخامس عشر من شهر رجب الأصب في عام (62)هـ، رحل نور من أنوار البيت المُحمَّدي العلوي، ألا وهو نور السَّيِّدة زينب (عليها السَّلَام)، بعد أن بقيت تكابد الألم والحسرة على فقد سبطِ رسول الله (صَّلى الله عليه وآله)، أخيها الإمام الحُسين وثلة من أهل بيته (عليهم السَّلَام)، فرحلت إلى الرَّفيق الأعلى، وهي (عليها السَّلَام)، راضية بقضاء الله تعالى، وغاضبة على الطَّاغية يزيد وأعوانه، وتشرَّفت الشام في رقودها (عليها السَّلَام)، فيها[17]، وهذا شيء مختصر من حياة السَّيِّدة زينب بنت أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليهما السَّلَام)، وفي الختام أن الحمدُ لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلقِ والمرسلين أبي القاسم مُحَمَّد وآله الغر الميامين، اللّعن الدَّائم على أعدائهم ما بقيت وبقي الليل والنَّهار إلى قيامِ يومِ الدِّين.

 

 

[1] ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد: 8/465؛ الإصابة في تمييز الصَّحابة، لابن حجر: 8/166-167.

 

[2] ينظر: الإصابة في تمييز الصَّحابة، لابن حجر: 8/166-167، موسوعة طبقات الفقهاء، لللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): 1/361-362.

 

[3] ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد: 8/465؛ الإصابة في تمييز الصَّحابة، لابن حجر: 8/166-167.

 

[4] ينظر: حياة الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، للشَّيخ بقر شريف القرشي: 2/301.

 

[5] المصدر نفسه:2/301.

 

[6] ينظر: العقيلة والفواطم، للحاج حسين الشَّاكري: 61-62.

 

[7] ينظر: حياة الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، للشَّيخ بقر شريف القرشي: 2/301.

 

[8] حياة الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، للشَّيخ بقر شريف القرشي: 2/301.

 

[9] رجال تركوا بصمات على قسمات التأريخ، للسَّيِّد لطيف القزويني: 204.

 

[10] حياة الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، للشَّيخ بقر شريف القرشي: 2/301.

 

[11] السَّجع: الكلام المقفى، (الصّحاح، للجوهري: 3/1228، مادة: سجع).

 

[12] ينظر: العوالم، الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، للشَّيخ عبد الله البحراني: 383.

 

[13] سورة الرُّوم، الآية: 10.

 

[14] سورة آل عمران، الآية (178).

 

[15] أعيان الشِّيعة، للسَّيِّد مُحسِن الأمين: 1/616.

 

[16] أعيان الشِّيعة، للسَّيِّد مُحسِن الأمين: 1/616.

 

[17] ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، لللجنة العلميَّة في مؤسَّسة  الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): 1/364.

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2585 Seconds