إبراهيم ابن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

مقالات وبحوث

إبراهيم ابن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

10K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-03-2019

إبراهيم ابن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

 

عمَّار حسن الخزاعي:

 

الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين

 

كان للنبي محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلم) ثمانية أولاد وكلُّهم من السيدة خديجة (عليها السلام) عدا إبراهيم فإنَّه من مارية القبطية (رضوان الله عليها)([1]) فأمَّا أولاد السيدة خديجة فهم: (القاسم، ورقيّة، وزينب، وأُم كلثوم) وهؤلاء ولِدوا قبل البعثة، وذكر بعض العلماء أنَّ رقيَّة وزينب بنتا تبنّ، لا بنتان على الحقيقة، وأنّهما بنتا هالة أخت خديجة (عليها السلام)، ثمَّ ولد له بعد المبعث: (الطيّب، والطاهر، وفاطمة)([2]).

 

أمَّا إبراهيم (عليه السلام) فهو ابن مارية القبطية، وهي هدية من المقوقس ملك الاسكندرية، إذ يُنقل أنَّ هذا الملك أهدى للنبيِّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاريتين أختين تزوج إحداهما وهي مارية، ووهب الثانية (سيرين) لحسَّان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن([3]) .

 

وقد ولد إبراهيم بالمدينة في ذي الحجة بعد ثمان سنين من مقدم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعاش سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام([4]).

 

ولَمَّا حُبل بإبراهيم أتى جبريل النبيَّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَهَبَ لَكَ غُلَامًا مِنْ أُمِّ وَلَدِكَ مَارِيَةَ، وَأَمَرَكَ أَنْ تُسَمِّيَهُ إِبْرَاهِيمَ، فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ وَجَعَلَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ولكنَّه سُرعان ما تُوفِّي وهو لم يبلغ السنتين، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): لمَّا توفي إبراهيم بن رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلَّم) بَعَثَه النبيُّ إِلَى أُمِّهِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَهِيَ فِي مَشْرُبَةٍ، فَحَمَلَهُ عَلِيٌّ فِي سَفَطٍ وَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْفَرَسِ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) فغسَّله وَكَفَّنَهُ وَخَرَجَ بِهِ، وَخَرَجَ النَّاس مَعَهُ، فَدَفَنَهُ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي يَلِي دَارَ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ (عليه السَّلام) فِي قبره حتَّى سوَّى عليه وَدَفَنَهُ، ثمَّ خَرَجَ ورشَّ عَلَى قَبْرِهِ، وَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلَّم) وَبَكَى الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ حتَّى ارْتَفَعَ الصَّوْتُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ): "تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُغْضِبُ الرَّبَّ، وَإِنَّا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"([5]) .

 

وقيل: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلَّم) "لَا تُدْرِجُوهُ فِي أَكْفَانِهِ حتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ فَجَاءَ فَانْكَبَّ عَلَيْهِ وَبَكَى حتَّى اضْطَرَبَ لِحْيَاهُ وَجَنْبَاهُ، ثمَّ قال: "ادفنوه في البقيع فإنَّ له مرضعاً يتم رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ"، وقال أيضًا: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ تُكْمِلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ" . وعن الإمام الصادق (عليه السلام): ((مات إبراهيم وله ثمانية عشر شهرا فأتم اللَّه رضاعه في الجنة))([6]) .

 

وبهذه المناسبة نقول لمن يُحرِّم البكاء على الميِّت ويرمينا بالكفر والزندقة؛ لأنَّا نبكي على الحسين بن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونقيم العزاء على مصائب أهل البيت (عليهم السلام) عليكم أن تعيدوا النظر بمصادركم وكتبكم فهي شاهدة على بطلان ما ذهبتم إليه، فهذا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد بكى على ولده إبراهيم (عليه السلام) وشاركه المسلمون في ذلك، وقد وضع أساسًا في ذلك فقال: ((تَدْمَعُ الْعَيْنُ ويَحْزَنُ الْقَلْبُ، ولَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ))([7])، وهذا حديث متَّفق عليه بين الفريقين([8])، وهو شاهد على قلة وعي هؤلاء وإدراكهم . السلام عليك يا إبراهيم يوم ولدت ويوم رحلت عن هذه الدنيا .

 

الهوامش:

([1]) ينظر: الإنباء في تاريخ الخلفاء: 47 .

([2]) ينظر: كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء: 1/57 .

([3]) ينظر: المحبر، أبو جعفر البغدادي (ت: 245هـ): 98 ، المعارف، ابن قتيبة الدينوري (ت: 276هـ): 143 ، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام الذهبي (ت: 748هـ): 2/445

([4]) ينظر: المختصر في أخبار البشر، أبو الفداء عماد الدين (ت: 732هـ): 1/148 .

([5]) ينظر: البداية والنهاية، ابن كثير (ت: 774هـ): 5/330 – 332 .

([6]) الوافي، الفيض الكاشاني: 23/1434 .

([7]) الكافي: 3/263 .

([8]) صحيح البخاري: 2/83 .

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2549 Seconds