الحسين عليه السلام منار الإنسانية

مقالات وبحوث

الحسين عليه السلام منار الإنسانية

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-04-2019

الحسين عليه السلام منار الإنسانية

 

الباحث: عماد طالب موسى.

 

الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهَّل شرائعه، إذ انتدب له أمناء على وحيه، يقيمون العدل، ويدفعون الجور، لتكون كلمة الله هي العليا، فصلِّ للهم على محمد الخاتم، وأهل بيته الذين فيهم سلطانه، وعندهم خزائن علمه، والمعدُّون للقيام بالأمر بعده.

 

أما بعد: فلو استعرضنا سيرة الأنبياء (عليهم السلام) لوجدنا هدفها الأساس هو محاربة الظلم، و الدفاع عن كرامة الإنسان و حريته، ونشر الدين السماوي الحق، و من هو أفضل مجسد لذلك غير وارث الأنبياء (عليهم السلام)([1])، إذ إنّ عالمية النهضة الحسينية واضحة بوصفها امتدادا لعالمية الرسالة الإسلامية التي جاء بها النبي محمد ( صلى الله عليه وآله)، و من ثَمَّ عالمية رسالة الأئمة (عليهم السلام)، لذا إنَّ من يريد اختزال النهضة الحسينية وحصرها بشعب معين أو طائفة معينة فهو خاطئ، و يحتاج إلى إعادة النظر في كلِّ منظومته، فهي – الثورة الحسينية- شاملة لكل بني البشر فهي منار للإنسانية، إذ انطلقت على وفق أهداف إنسانية بحتة، هدفها تحرير الإنسانية بما تحمله من أهداف و قيم و تضحيات و نماذج مشرفة، لا تختص بزمان، ولا تحد بمكان ([2]).

 

وقد أُضْمِرَ في كلام الإمام الحسين (عليه السلام) وأفعاله ما يوحي بهذا البعد العالمي لثورته، ويمكن استنباط هذا الإعلان من كلام الإمام (عليه السلام) في مضمون وصيته لأخيه السيد محمد المعروف بابن الحنفية، واستثماره موسم الحج ثانيا، وما بين هذا وذاك مراسلاته للأشراف والوجهاء في الامصار العربية، وبحسب الآتي:

 

1-       شعار النهضة الحسينية:

 

لابد لكل نهضة تستهدف بناء المجتمع، وصيانته من أدران التخبُّط، والتيه والبعد عن النهج المحمدي المرسوم، أن تستند إلى ركن رصين تأوي إليه، وتمثل ذلك بانطلاقة الإمام(عليه السلام)؛ إذ رسم منهجه بصورة مختصرة تمثل بوصية كتبها لأخيه السيد محمد بن الحنفية، تحتوي على أقوال مضمرة أودع فيها أهداف مسيرته، ولا شك أنَّ في هذا من المقاصد بمكان سيجتهد البحث في بيانها، بوصفها ركائز مضمرة، تقي أخيه محمد شرّ السلطة، وتمنحه حرية نشر أهداف أخيه الحسين(عليه السلام) ومنهجه تحت طائلة مطالعة بنود وصيته، وهذا من ثمار الأقوال المضمرة التي تعالج أهداف يعد التصريح بها غير مرخص أو تشكل خطرا على متكلمها، وإليك نص الوصية: 

 

(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الحُسَينُ بنُ عَليِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ إلى أَخِيهِ مُحمَّد المَعرُوفِ بِابنِ الحَنفيَّةِ: أَنَّ الحُسَينَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جاءَ، بِالحَقَّ مِنْ عِنْدِ الحَقِّ، وَأَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ، وَأَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرَاً، وَلَا بَطِرَاً، وَلَا مُفْسِدَاً، وَلَا ظَالِمَاً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاحَ فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسِيْرَ بِسِيْرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الحَقِّ فَاللهُ أَوْلَى بِالحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِي اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ القَوْمِ بِالحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ، وَهَذِهِ وَصِيَّتِي يَا أَخِي إِلَيْكَ وَمَا تَوفِيْقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِليهِ أُنِيْبُ))([3]).

 

والمتأمل في هذا الخطاب يجده يطفو على مقاصد مضمرة تعالج آفات العصر المستشرية، كما تمثل نقطة تحول في المسيرة الإسلامية التي أجهض مبادئها معاوية ومن بعده ولده يزيد، ولاستجلاء الأقوال المضمرة (الكامنة) في وصيته (عليه السلام) لابد من الوقوف على مداليل عناصر الوصية، وما يؤطرها من مقام تخاطبي متمثلا بزمانها، ومكانها، وشخصيات الحوار ومتعلقاته.

 

جاءت هذه الوصية بعد أن عزم الإمام (عليه السلام) على السفر إلى مكة المكرمة، وهذا نتيجة لمطالبة يزيد بن معاوية له بالبيعة، إذ أرسل كتابا يأمر فيه والي المدينة الوليد بن عتبة بأن يأخذ البيعة من الإمام (عليه السلام)، فإن أبى يُضرب عنقه ويرسل ليزيد([4])، كما تعالت بعض الأصوات بالإشارة على الإمام (عليه السلام) بأن ينزل لبيعة يزيد وألّا يشق عصا المسلمين([5])، فكان (عليه السلام) أمام مجتمع قد ركب مطية الخوف أو الطمع متجها إلى بيعة يزيد، متخلفا عن نصرة أولياء الله الذين فرض - سبحانه وتعالى-  طاعتهم، فكان لا بد من تأسيس عقائدي ومنهجي ينطلق منه الإمام (عليه السلام) في ثورته ورفضه حكم بني أميه، يكون ردا على تقوّلات المريبين والمشككين بأهداف الإمام (عليه السلام) الإصلاحية، ويمكن بيان هذين الخطين على النحو الآتي:

 

أ‌-    البعد العقائدي: إذ يشتمل قول الإمام (عليه السلام) على مضامين رئيسة بثها في متتاليات الألفاظ التي اشتملت عليها وصيته، شكلت ركيزة أساسية لثورته، ويمكن بيانها بالآتي:

 

1-  التوحيد: ونلمس تمثله في قوله (عليه السلام): (أَنَّ الحُسَينَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهَ لَا شَرِيكَ لَهُ).

 

2-  العدل: ويمثله قوله (عليه السلام): (فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الحَقِّ فَاللهُ أَوْلَى بِالحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِي اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ القَوْمِ بِالحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ).

 

3-  النبوة: في قوله: (وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جاءَ، بِالحَقَّ مِنْ عِنْدِ الحَقِّ).

 

4-  الإمامة: كما في قوله: (وَأَسِيْرَ بِسِيْرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ) إذ جعله امتدادا لسيرة جده (عليهم السلام).

 

5-  المعاد: ويمثله قوله (عليه السلام): (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ).

 

ب‌- البعد المنهجي: الذي وظف فيه ماهية خروجه وأهدافه والأسس التي يستند عليها والمؤهلات التي توجب عليه التصدي؛ إذ لم يكن خروجه طلبا للسلطة، وإنّما للإصلاح وهداية الناس، وقد وضح ذلك بقوله: (وَأَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرَاً، وَلَا بَطِرَاً، وَلَا مُفْسِدَاً، وَلَا ظَالِمَاً، وَلَا ظَالِمَاً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاحَ فِي أُمَّةِ جَدِّي) والأشر((المَرَح))([6])، والبطر من ((بطر: البَطَرُ: التَّبَخْتُرُ، وَقِيلَ: قِلَّةُ احْتِمَالِ النِّعمة، وَقِيلَ: البَطَرُ الطُّغيان فِي النِّعْمَةِ))([7]). وإنما حتم عليه واجبه بوصفه امتدادا لسلالة النبوة.

 

أما دواعي الإصلاح وأسبابه فهي أسباب تقاسمتها مختلف مستويات الحياة ومراحلها، فعلى صعيد الجانب الديني، نجد الحدود قد عطلت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد بدا متلكئا عند من جلس على دفة الحكم منذ السقيفة صعودا إلى الخروج على الخليفة الشرعي أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وما ضمها من فتنة التحكيم، ثم معاهدة الصلح، حتى وصل الانفلات في أَوْجِهِ في سياسة معاوية بعد الصلح، فعلى مستوى السياسة عمل على اغتيال كل الصحابة والتابعين الذين يوالون أهل البيت(عليهم السلام) وينتصرون لهم، وغيرها من العمليات الإرهابية التي مارستها السلطة الأموية بحق المسلمين، وعلى مستوى الجانب الديني اتخذ سياسة التجهيل، وصرف المسلمين عن دور العلم التي دعا إليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي(عليه السلام)، كما اتبع أسلوب الإغراء والترهيب للسيطرة على المجتمع المسلم، وشاع الفقر المدقع بين طبقاته، ونشر الغناء والمجون حتى ينصرف الناس عن متابعة السلطة أو القيام عليها، حتى كون مجتمعا لا يفرق بين الناقة والجمل([8])، وغير ذلك من الأسباب التي وقف الإمام الحسين(عليه السلام) ثائرا عليها.

 

ت‌-     أدوات الإصلاح المتبعة، وهذا الإصلاح يكون عن طريق:

 

1-  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ).

 

2-   مصادر الأمر بالمعروف: على وفق سيرة جده رسول الله وأبيه (عليهم السلام): (وَأَسِيْرَ بِسِيْرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ).

 

إنّ هذا العرض الممنهج لأهداف ثورته (عليه السلام) يجلي تسلسلا منطقيا لبيان مكانته السامية وحقه في قيادة أمَّة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وبه يخرس المتشدقين والمتمسكين بأذيال السلطة لمصالحهم الدنيوية، ويرد على المعارضين لخروجه على يزيد بوصفه خليفة لهم.

 

وهناك قول مضمر مفاده أن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن تحاشيا لبيعة يزيد وتفاديا من مواجهة السلطة الحاكمة كما فعل عبدالله بن الزبير وعبد الله بن عمر([9])، و إنما كان بهدف الإصلاح والعمل بسُنَّة جدِّه وأبيه (عليهم السلام) بما يمليه عليه الواجب الشرعي بوصفه إماما مفترض الطاعة نقلا عن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) كما مرَّ بيانه.

 

ويبقى التساؤل، لماذا دبج الإمام (عليه السلام) هذه الوصية لأخيه محمد؟، وهل أنّ السيد محمد بن الحنفية غافل عن هذه المحاور والاهداف؟، وهل قصد الإمام الحسين (عليه السلام) أن تقف هذه الوصية عند أخيه فقط؟.

 

تداوليا لا يُستساغ أن تكون غاية الوصية هو أخباره بمضامينها؛ وإنما هناك غاية أخرى وهي أن يكون السيد محمد بن الحنفية المنبر الإعلامي لأهداف الثورة وبيان أسسها التي انطلق منها أبو الاحرار خدمةً للإسلام وصيانةً لدين جده رسول الله (عليهم السلام)، وأراد لها أن تعرف ويطلع عليها الناس، فيعلمون سبب خروجه وتضحيته، ومما يعزز ذلك أنه أمره بالبقاء في المدينة ليكون له عينا فيها([10]). كما يعطي هذا الأسلوب المضمر شيئا من الأمان لأخيه السيد محمد بن الحنفية، فهي  في الظاهر وصية كأي وصية متعارفة، وفي الباطن تضمر المنهج والأهداف الذي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام).

 

وقد بنى المتكلم كلامه بصورة متفردة تعطي قراءات متعددة سواء كانت من حيث المضمون – كما مرَّ- أم من حيث هندسة الهيكل البنائي العام للوصية، إذ شكل ملمحا أسلوبيا جاء موافقا لغرضها، وعند التأمل فيه يكشف عن فكرة مضمرة تندرج ضمن ما نحن بصدده، إذ غلب على أسلوبها الخطابي الصوت المفرد ليكشف عن فكرة متميزة تتمثل بوحدانية الله – سبحانه وتعالى- مقابل واحدية الإمام المعصوم الذي يقع على عاتقة مسؤولية النهوض بالأمة والسير بها إلى الصلاح.

 

وما دام الحديث عن أهداف الثورة الحسينية والأسباب الداعية للإصلاح، يرى البحث - حتى تكتمل حلقة النقاش هذه- أن يعرج على السبب الرئيس لقيام الثورة، وإن كان مرتبطا بسلسلة من العوامل التي لابد لعلاجها بقيام يشمل كل ابعاد التغيير، وقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى سبب خروجه في عبارة تحمل أبعادا إضمارية تكشف عند متأملها حجم الخطر المحدق بالإسلام، تلك العبارة التي قالها(عليه السلام) لمروان بن الحكم عندما طلب منه البيعة ليزيد، فقال:

 

((إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد))([11]).

 

فعبارة (إنا لله وإنا إليه راجعون) تشير بحسب تداولها إلى المصائب العظيمة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك إشارة صريحه، بقوله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ([12])، فقوله: (إِنَّا لِلَّه) يدلُّ على كونه راضيا بكُلِّ ما نزل به في الحال من أنواع البلاء، وقَوله: (وإِنَّا إِلَيه راجعون) يدلّ على كونه في الحال راضيا بكلِّ ما سينزل به بعد ذلك، من إِثابته على ما كان منْه، ومن تَفويض الأَمر إِلَيه على ما نزل به، ومن الانتصاب مّن ظلمه، فيكون مُذَلِّلًا نفسه، راضيًا بما وعده اللَّه به من الأجر في الآخرة([13]).

 

 

([1]) بحار الانوار: 46/ 236.

 

([2]) ينظر: بلاغة الإمام الحسين (u) دراسة وتحليل: 2/ 59- 60.

 

([3]) مقتل الحسين (u) للخوارزمي: 1/ 273، وينظر: بحار الانوار:44/ 482، والعوالم: 179.

 

([4]) ينظر: بحار الانوار: 44/ 324.

 

([5]) ينظر: موسوعة كلمات الإمام الحسين(u): 346، 347، 373، 401،403.

 

([6]) لسان العرب: 4/20، مادة(مرح).

 

([7]) المصدر نفسه: 4/ 68، مادة (بطر).

 

[8])) ينظر: مروج الذهب: 3/ 41، وثورة الإمام الحسين (u)، الدكتور محسن باقر القزويني، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، ط2، 2015م: 106.

 

([9]) ينظر: العوالم: 176.

 

([10]) ينظر: بحار الانور: 44/324وما بعدها، وبلاغة الإمام الحسين دراسة وتحليل: 59.

 

([11]) بحار الأنوار: 44/ 326، وينظر: الملهوف على قتلى الطفوف: 99.

 

([12]) البقرة: 156.

 

([13]) ينظر: مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (ت: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3، 1420 هـ: 4/ 133.

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2694 Seconds