لا ينالها إلا الإمام الحسين (عليه السلام)

مقالات وبحوث

لا ينالها إلا الإمام الحسين (عليه السلام)

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 04-09-2019

الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله رسولنا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد
تمر علينا في هذه الأيام ذكرى واقعة عظيمة اهتز لها عرش الرحمن، وبكت لها السماء، وناحت لها الملائكة، إنها شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) في طف كربلاء، تلك الواقعة التي أدمت قلوب المؤمنين، إذ انتُهِكت فيها كل القيم الإنسانية، والتقاليد الأخلاقية، والسنن الدينية في مختلف الأديان والطوائف، لم ير التاريخ جريمة كهذه على مر العصور السابقة ولن تأتي مثلها في العصور اللاحقة.

جريمة ارتكبها من يدعي أنه يسير على دين المقتول، فكيف يكون ذلك؟ إنه مكر بني أمية الذين بنوا دولتهم على التضليل والخداع والمكر والظلم، حتى جعلوا من الحق باطلا ومن الباطل حقًّا، بأساليب انطوت على عقول العامة من الناس، فقد تمكنوا من كسب ميل الناس إليهم بالترغيب والترهيب، ومن ثم أشاعوا الفساد في الأرض وعادوا بالأمة إلى جاهليتها، فلم يكن من خيار أمام البيت النبوي إلا الوقوف بوجه الطغاة، ومنعهم من تحقيق غايتهم في طمس معالم الدين الإسلامي، والعود بالناس إلى الجاهلية التي تتناسب والرؤية الأموية للأمة، إذ لم يرق لهم أن يكون الناس في نور الهداية المحمدية، فانبروا إلى محاربة الفكر المحمدي من اليوم الذي شع فيه نوره، وتوارثوا ذلك جيلا بعد جيل حتى تسلطوا على رقاب الناس، فسفكوا الدماء، وحاربوا الحق وأهله، فقتلوا ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وبهذا الأسلوب تمكن بنو أمية من تغيير عقائد الناس وأفكارهم، حتى صار أهل بيت النبوة أعداء الدين على وفق المنهج الأموي، فكيف لأمة أن تقتل ابن بنت نبيها بهذه الطريقة وهذه البشاعة، وهو روح رسولها (صلى الله عليه وآله) الذي يقول فيه: (حُسَينٌ مِنِّي وأنا مِن حُسين، أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً، حُسينٌ سِبْطُ مِن الأسْباط)([1])؟ ما هذه العقيدة التي ترسخت في عقول أولئك الناس حتى فعلوا ما فعلوا ويدّعون الإسلام؟ إنها عقيدة الظلم والطغيان وحب الدنيا.

هذه العصابة التي خاصمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبكته بدل الدموع دما حزنا على ولده الذي قتلوه، روي (عن ابن عباس، قال: لمَّا اشتدَّ برسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي توفِّي فيه، ضمَّ الحسين (عليه السلام)، ويسيل من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: (مَا لي وَلِيَزيد، لا بَارَكَ اللهُ فِيه، اللَّهُمَّ العَنْ يزيد). ثم غُشي عليه (صلى الله عليه وآله) طويلاً. ثم أفاقَ، وجعل يقبِّل الحسين (عليه السلام) وعيناه تذرفان ويقول: (أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزَّ وجلَّ))([2]).

أي مقام هذا الذي سيقفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع هؤلاء يوم القيامة؟ وماذا يرجو قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) يوم القيامة وخصمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قال في حب ولديه الحسنين (الحسن والحسين ابناي، من أحبَّهما أحبَّني، ومن أحبَّني أحبَّه اللهُ، وَمَن أحبَّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضَهُمَا أبغضَني، ومن أبغضَني أبغضَه الله، وَمَن أبغضه الله أدخلَه النَّار عَلى وجَهه)([3])، هذا في من أبغضوه فكيف بمن قتلوه؟.

وقد بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدرجة الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: (إِنَّ لَهُ دَرجة لا يَنَالُها أحدٌ مِن المَخلوقِين)([4])، نعم فهو النفس المطمئنة التي قال تعالى فيها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي(([5]).

أما منزلة من زاره وبكى عليه فقد ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما رواه الإمام الباقر (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل الحسين (عليه السلام) اجتذبه إليه، ثم يقول لأمير المؤمنين (عليه السلام): (أمْسِكه(.

ثم يقع (صلى الله عليه وآله) عليه، فيُقبِّله ويبكي.

فيقول (عليه السلام): (يَا أبَه، لِمَ تبكِي)؟!

فيقول (صلى الله عليه وآله): (يا بُنيَّ، أقبِّل موضع السيوف منك وأبكي(.

فيقول (عليه السلام): (يا أبه، وأُقتَل)؟!

فيقول (صلى الله عليه وآله): (إي والله، وأبوك وأخوك وأنت).
فيقول (عليه السلام): (يا أبه، فمصارعُنا شتَّى)؟!
فيقول (صلى الله عليه وآله): (نعم، يا بُنيَّ).
فيقول (عليه السلام): (فمن يزورنا من أمتك)؟
فيقول (صلى الله عليه وآله): (لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصدِّيقون من أمَّتي))([6])، والصديقون هم الذين قال تعالى فيهم: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)([7]).
وفي الختام: نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من زوارهم في الدنيا، وأن يرزقنا شفاعتهم يوم الورود، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1])) مسند أحمد بن حنبل: 4/ 172، مصنف ابن شيبة الكوفي: 7/ 515، الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/ 127.
[2])) مثير الأحزان، الحلي: 1، بحار الانوار: 44/ 266.
[3])) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين، المحسن بن كرامة: 42، إعلام الورى بأعلام الهدى، الطوسي: 1/ 432.
[4])) الأمالي، الشيخ الصدوق: 302، بحار الأنوار، المجلسي: 44/ 225.
[5])) سورة الفجر:  27- 30.
[6])) كامل الزيارات، بن قولويه: 146، بحار الأنوار، المجلسي: 44/ 261.
[7])) سورة النساء/ 69.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2399 Seconds