الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلق الله أجمعين، مُحَمَّد وآله الميامين الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيرًا، وفرض على عباده طاعتهم وموالاتهم، وبعد.
اختص أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) بكرامات كثيرة، لا يدانيه فيها أحد من خلق غير رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ)، وقد نزلت فيها آيات شريفة، ومن هذه الكرامات الموالاة له التي نزلت فيها آية لتصدقه بخاتمه وهو راكع، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))([1]).
فالآيات الكريمة ذكرت صفات أمير المؤمنين (عليه السلام) وكراماته التي خصه الله بها، أولاها قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) فالحديث في هذه الآية يبين صفات أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وذلك ما ورد في السنة النبوية الشريفة إذ قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في خيبر: ((لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ))([2])، فالمحبة في الآية تدل على أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) إضافة إلى أنه كان متواضعا لينا مع المؤمنين شديدًا غليضًا على الكافرين([3])، ولا تلومه في الله لومة لائم، فكل ما في الآية يدل على أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه).
أما الآية الثانية فإنها آية الولاية التي فرضها الله على المؤمنين إذ يقول تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ))
فالآية تدل على أن الولاية لله ولرسوله وللذين آمنوا، لكن هناك صفة للذين أمنوا اختصوا بها وهي إيتائهم الزكاة وهم راكعون، وقد ذكر أكثر المفسرين وأجمعوا إلا من عميت بصيرته على أن الآية نزلت في أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، إذ ((خرج النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ- إلى باب المسجد فإذا هُوَ بمسكين قَدْ خرج من المسجد وَهُوَ يَحْمَد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فدعاه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلْ أعطاك أحد شيئًا؟ قَالَ: نعم يا نَبِيّ اللَّه، قَالَ (صلَّى الله تعالى عليه وآله): من أعطاك؟ قَالَ: الرَّجُل القائم أعطاني خاتمه: يعنى [أمير المؤمنين الإمام] عَلِيّ بن أَبِي طَالِب- [صلوات الله تعالى وسلامه عليه]- فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ-: عَلَى أَيّ حال أعطاكه؟ قَالَ: أعطاني وَهُوَ راكع. فكبر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ- وقَالَ: الحمد للَّه الَّذِي خص عليا بهذه الكرامة. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ -يعني عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- [صلوات الله تعالى وسلامه عليه]- فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ -يعني شيعة اللَّه ورسوله والذين آمنوا هُم الغالبون فبدأ بعَلِيّ بن أبي طَالِب-[عليه السَّلَام]- قبل الْمُسْلِمِين ثُمّ جعل الْمُسْلِمِين))([4]).
وهذه الآية من الدلائل الواضحة على إمامة أمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) يذكر ذلك الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه): ((ويدل أيضًا على الإمام (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) بعد النَّبي (صلَّى الله تعالى عليه وآله) قوله تعالى: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾، ووجه الاستدلال من الآية أن معنى ﴿وليكم﴾ في الآية من كان مستحقا للأمر وأولى القيام به وتجب طاعته ، وثبت أيضا أن المراد ب " الذين آمنوا " أمير المؤمنين عليه السلام ، وإذا ثبت الأمران ثبتت إمامته عليه السَّلَام))([5]).
وقد رد الزمخشري على بعض من شكك في أن نزولها بأمير المؤمنين (عليه السلام)، لأن لفظ (الذين آمنوا) يدل على الجماعة لا المفرد([6]) بقوله: ((وإنها نزلت في عليّ [عليه السلام] حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه، كأنه كان مرجا في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته. فإن قلت: كيف صح أن يكون لعليّ [عليه السلام] واللفظ لفظ جماعة؟ قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً))([7]).
وفي الختام: إن حقيقة الولاية لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) والأئمة من ولده (عليهم السَّلَام) ثابتة وواضحة كوضوح الشمس في كبد السماء، والأدلة على ذلك كثيرة لا ينكرها إلا من عميت بصيرته وبصره، وزاغ به فكره إلى مهالك الردى.
نسأل الله العلي القدير ان يجعلنا مع مُحَمَّد وآل مُحَمَّد في الدّنيا والآخرة، وأن يرزقنا شفاعتهم يوم الورود، إنه سميع مجيب...
الهوامش:
([1]) سورة المائدة: 54- 57.
([2]) فضائل الصحابة: 2/ 406، صحيح البخاري: 4/ 60، السنن الكبرى: 7/ 416، المعجم الكبير: 7/ 31.
([3]) ينظر: معاني القرآن وإعرابه: الزجاج: 3/ 183.
([4]) تفسير مقاتل بن سليمان: 486
([5]) الاقتصاد، الشيخ الصدوق: 189.
([6]) ينظر: تفسير المنار، القلموني (ت: 1354ه): 6/ 366، وهو من المتأخرين، ولعله يجهل علوم اللغة وفصاحة العرب، أو أن بغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام) جعله فاقد البصر والبصيرة، والزمخشري (ت: 538ه)، قد وضح ذلك وبينه، لكن القلموني لم يأخذ به، إضافة إلى أنه لم يكن يعرف شيئا من لغة القرآن الكريم ولم يطلع على قوله تعالى: ((الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) [آل عمران: 173]، فالقائل هو شخص واحد، ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان: 1/ 316. ويذكر الطبري أدلة أخرى على ذلك يقول: ((وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: "والناس" جماعة، "وإبراهيم" [عليه السلام] واحد، والله تعالى ذكره يقول:" ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس"؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك كثيرا، فتدل بذكر الجماعة على الواحد. ومن ذلك قول الله عز وجل: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران: 173] والذي قال ذلك واحد، وهو فيما تظاهرت به الرواية من أهل السير- نعيم بن مسعود الأشجعي، ومنه قول الله (عزَّ وجلّ): (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51] قيل: عني بذلك النَّبي (صلَّى الله عليه [و آله] وسلَّم)= ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى، تفسير الطبري: 4/ 191.
([7])الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 1/ 648.